البيانات.. السلعة الخفية التي تُباع وتُشترى دون أن ندري

بات من المعروف اليوم أن بياناتنا الشخصية – من العمر والعنوان ورقم الهاتف إلى عادات الاستهلاك والتنقل – أصبحت تُتداول في سوق غير مرئي يقوده وسطاء وشركات خاصة. وفي ظل هذا التدفق المستمر للمعلومات، يشعر كثيرون بالإرهاق من فكرة فقدان الخصوصية، إذ يكفي السماح لتطبيق واحد بجمع بياناتك ليجد طريقه إلى وسطاء يبيعونها لشركات إعلانات أو حتى صناديق تحوط.
وقد أثارت مبادرات مثل عرض شركة "جينيريشن لاب" دفع 50 دولاراً شهرياً للشباب مقابل تثبيت برنامج تتبّع على هواتفهم تساؤلات حول القيمة الحقيقية لبياناتنا. ففي حين يقدَّم هذا العرض بصفته مقايضة "عادلة"، يقر القائمون عليه بأن بعض البيانات – مثل الموقع أو الصحة – أكثر قيمة بكثير من المبلغ المدفوع، خاصة عند دمجها مع بيانات آلاف الأشخاص الآخرين.
التفاوت في قيمة البيانات يبدو صارخاً: دراسة من جامعة ديوك عام 2023 وجدت أن بيانات العسكريين الأمريكيين كانت معروضة للبيع مقابل 12 سنتاً للشخص، في حين تُعتبر بيانات الموقع أو الصحة أغلى بكثير. أما شركات مثل "فيسبوك" و"وورلدكوين"، فقد أغرت المراهقين أو المتطوعين بمبالغ بسيطة أو رموز رقمية مقابل التنازل عن جزء من خصوصيتهم.
وفي أوروبا، تُلزم القوانين الشركات بإخطار المستخدمين ومنحهم خيار إلغاء الاشتراك، وإن كان معقداً في بعض الأحيان. أما في الولايات المتحدة، فلا يوجد حتى الآن قانون فيدرالي للخصوصية، رغم تحركات بعض الولايات مثل كاليفورنيا التي اقترحت فكرة "عائد البيانات" للمواطنين.
الجهود التنظيمية تتزايد اليوم مع استهداف وسطاء بيانات كبار مثل "أوت لوجيك"، وسط مخاوف من وصول المعلومات إلى جهات أجنبية منافسة مثل الصين. ومع ذلك، لا تزال الصفقات المدفوعة نادرة، والأسعار تفتقر إلى الشفافية. وبينما يظل عرض 50 دولاراً شهرياً مغرياً للبعض، يبقى السؤال مفتوحاً: ما القيمة الحقيقية لمعلوماتنا في سوق يعتبرها كثيرون "النفط الجديد"؟