الدبلوماسية بين فن التفاهم ودهاء التمويه

قرات قولا للسياسي والصحفي والكوميدي الأمريكي ويل روجرز (1879- 1935) يعتبر فيها أن "الدبلوماسية هي أن تلاعب الكلب بلطف حتى تجد حجرًا تضربه به"، انه تعريف ساخر للدبلوماسية، يحمل في طياته نبرة خفية من الدهاء والخداع المقنع بلطف. ويمكن تحليله على عدة مستويات:
1 - المعنى الظاهري:
يقترح هذا القول أن الدبلوماسية لا تعني بالضرورة النية الطيبة والحسنة أو السعي للسلام الحقيقي ، بل قد تكون وسيلة للمراوغة وكسب الوقت حتى تحين الفرصة للضرب أو الانقضاض. يشبه صاحبه الإنسان الذي يتظاهر بالود بينما يُخفي نواياه الحقيقية إلى أن تتوفر له الوسائل لتنفيذها.
2- الرموز في القول:
"ملاعبة الكلب": ترمز إلى التصرف بلطف مع الخصم أو العدو أو من يُخشى جانبه.
"حتى تجد حجرًا": تشير إلى الانتظار والتخطيط والبحث عن وسيلة للهجوم أو الرد.
"تضربه به": تمثل التصرف الحقيقي عندما تحين الفرصة، وقد يكون عنيفًا أو خادعًا.
3- النظرة السلبية إلى الدبلوماسية:
هذا التعريف يعكس نظرة سلبية وانتهازية للدبلوماسية، وكأنها:
لا تعتمد على الصدق والشفافية،
بل هي فن الخداع والتمويه،
حيث يُخفي الشخص نواياه الحقيقية وراء أقنعة المجاملة والكلام المنمق.
4-في ضوء الواقع السياسي:
في السياسة الدولية، كثيرًا ما تُتهم الدول الكبرى أو بعض الأنظمة باستخدام الدبلوماسية بهذا المعنى:
-التظاهر بالرغبة في السلام، بينما تستعد للحرب،
-عقد اتفاقيات ظاهرها التعاون وباطنها الهيمنة،
-كسب الوقت بالمفاوضات بينما تُبنى التحالفات أو تُشن حملات خفية.
5- هل هذا التعريف عادل ومنصف؟
ليس بالضرورة أن تكون كذلك . فالدبلوماسية الحقيقية في معناها الأصيل هي:
-فن إدارة العلاقات والنزاعات بالوسائل السلمية:
-البحث عن الحلول الوسط والتفاهم والتفاوض دون اللجوء إلى العنف.
لكن هذا القول يسلط الضوء على الجانب المظلم والانتهازي منها، والذي قد يوجد فعلاً لدى بعض الأشخاص أو الدول التي تمارس "الدبلوماسية بوجهين".
خلاصة
هذا القول يحمل تهكمًا لاذعًا ويكشف عن وجه من أوجه النفاق السياسي والاجتماعي، حيث قد يُمارس اللطف لا لغاية إنسانية، بل لأغراض خفية وعدوانية. هو دعوة لفهم أن "الدبلوماسية" ليست دومًا بريئة، وأن اللطف أحيانًا يكون قناعًا للقوة أو العنف المؤجل.