بعد فشل فرنسا.. ألمانيا تجبر الجزائر على العفو عن "صنصال" وسط جدل واسع عن مقابل هذه الصفقة

أعلنت رئاسة الجمهورية الجزائرية أن الرئيس عبد المجيد تبون تلقّى في العاشر من نونبر الجاري طلباً من الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، يتضمن منح عفوٍ لفائدة الكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال، وهو الطلب الذي شدّ اهتمام الرئيس تبون لما يحمله من أبعاد إنسانية خاصة، حسب ما جاء في بيان رسمي لرئاسة الجمهورية.
وارتباطا بالموضوع، أوضح البيان أنه بعد الاستشارة القانونية المعمول بها، قرر رئيس الجمهورية التجاوب إيجابياً مع الطلب، تطبيقاً لأحكام المادة 91 الفقرة الثامنة من الدستور، مضيفا أن الدولة الألمانية ستتكفل بنقل المعني بالأمر وعلاجه.
هذا القرار فتح الباب أمام تساؤلات واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية، ليس فقط حول خلفياته، بل أيضاً حول المقابل الذي قد يكون وراء هذا التجاوب غير المسبوق، سيما وأن محاولات سابقة من باريس – الدولة التي يحمل صنصال جنسيتها الثانية – لم تفلح في انتزاع خطوة مماثلة من السلطات الجزائرية. وبذلك، تكون ألمانيا قد نجحت فيما فشلت فيه فرنسا، وهو ما يثير سؤالاً مشروعاً حول طبيعة الصفقة الدبلوماسية التي رافقت هذا العفو.
عدد من المراقبين شددوا على أن برلين قدّمت طلبها في صيغة رسمية رفيعة المستوى، خالية من أي لهجة ضغط أو تدخل في الشأن الداخلي الجزائري، لكنها حملت في طياتها بعداً إنسانياً جرى توظيفه بدهاء سياسي. فالرئيس شتاينماير لم يتحدث عن السياسة أو حرية التعبير، بل عن الحالة الصحية والإنسانية للكاتب، وهو ما منح الرئيس تبون مخرجاً مشرفاً للاستجابة دون أن يظهر بمظهر المتنازل أمام الخارج. وفي المقابل، تحصد ألمانيا مكسباً دبلوماسياً يُضاف إلى رصيدها في المنطقة، وتقدّم نفسها شريكاً محترماً قادراً على تحقيق نتائج بوسائل ناعمة وهادئة.
لكن خلف هذا المشهد الإنساني، يرى ذات المهتمين بالموضوع أن السؤال الأعمق الذي ينبغي طرحه بخصوص هذه الواقعة هو: ما هو المقابل الذي ستحصل عليه الجزائر نظيرهذه الصفقة؟ فالتجارب الدبلوماسية السابقة أثبتت أن مثل هذه القرارات لا تكون مجانية في العادة. البعض يرى أن برلين ربما قدمت وعوداً أو تسهيلات اقتصادية في مجالات الطاقة أو الاستثمار أو التعاون الأمني، خاصة وأن ألمانيا تبحث عن تعزيز حضورها في شمال إفريقيا بعد تراجع النفوذ الفرنسي. وفي المقابل، قد تكون الجزائر رأت في هذا التجاوب وسيلة لتليين مواقف أوروبية تجاه ملفات حساسة، منها قضايا حقوق الإنسان أو التعاون الأمني والهجرة.
أما على المستوى الداخلي، فإن القرار قد يثير بعض التحفظات لدى من يعتبرون العفو استجابة لضغط خارجي، لكنه في الوقت نفسه يتيح للسلطة أن تُظهر وجهاً إنسانياً مرناً أمام الرأي العام الدولي، دون أن تبدو خاضعة أو ضعيفة. وبالنسبة لبوعلام صنصال نفسه، فإن العفو لا يعني تبرئته قانونياً، بل هو إجراء رئاسي يوقف تنفيذ الحكم الصادر بحقه، مع الإبقاء على أثر الإدانة في السجلات القضائية، إلا إذا صدر عفو شامل لاحقاً.
في النهاية، ما بين البعد الإنساني المعلن والمصالح الدبلوماسية غير المعلنة، يظل ملف صنصال نموذجاً دقيقاً لكيفية تفاعل الجزائر مع الضغوط الغربية وفق توازنات دقيقة بين السيادة والمصالح. عفوٌ رئاسي بطلبٍ ألماني، وصفقة محتملة لا تزال تفاصيلها في طيّ الكواليس، لكن المؤكد أن ألمانيا استطاعت أن تُدخل نفسها إلى قلب المعادلة الجزائرية في الوقت الذي اكتفت فيه فرنسا بمراقبة المشهد من بعيد.