بين غموض الملصقات وغياب المعلومات.. هل يشرب المغاربة "مياه معدنية" فعلا أم مجرد "ماء مغلى"؟

سبتمبر 9, 2025 - 13:20
 0
بين غموض الملصقات وغياب المعلومات.. هل يشرب المغاربة "مياه معدنية" فعلا أم مجرد "ماء مغلى"؟

في المغرب، لا تكمن الحيرة في طعم المياه المعبأة بقدر ما تكمن في طعم المعلومة الغائبة على ملصقات القنينات. فبينما يحرص المستهلك الأوروبي على قراءة التركيبة بشكل دقيقة ومفصّل لمعرفة نسب الكالسيوم والمغنيسيوم والصوديوم، يظل المستهلك المغربي أمام ملصقات مبهمة أو ناقصة، تثير شبهة التلاعب وتفتح الباب لتساؤلات صاخبة من قبيل: ماذا نشرب بالضبط؟ هل هو ماء معدني طبيعي كما يُسوَّق لنا، أم مجرد ماء معالج أو "مغلى" أعيدت تعبئته؟

الإطار القانوني في المغرب، والمتمثل في المرسوم 2-12-389 الصادر سنة 2013، اكتفى بعموميات ولم يفرض صراحةً ذكر كل المعادن والأيونات، وهو ما خلق تفاوتًا كبيرًا بين علامة وأخرى. بعض الشركات تذكر الصوديوم والمغنيسيوم بوضوح، وأخرى تكتفي بعبارات فضفاضة مثل "بقايا جافة عند 180 درجة". هذا الفراغ التشريعي يجعل المستهلك حائرًا أمام رفوف المتاجر، غير قادر على التمييز بين ماء معدني طبيعي وماء مائدة معالج.

التصنيف الرسمي يفرق بين الماء المعدني الطبيعي الذي يأتي من مصدر جوفي محمي بتركيبة ثابتة ويُعبأ مباشرةً دون معالجة، وماء المصدر الذي يقارب المعدني لكنه أقل صرامة، ثم ماء المائدة الذي غالبًا ما يكون ماءً عاديًا تمت معالجته أو إعادة تمعدنه صناعيًا. وهنا تبرز المفارقة، فجزء مهم مما يُباع في الأسواق المغربية هو ماء مائدة يُسوَّق بلغة توحي بالطبيعية والصفاء في حين أنه أقرب إلى صورة الماء المغلى والمصفى.

الحديث عن الصوديوم ليس رفاهية صحفية، بل عنصر جوهري لفهم جودة الماء وصحته. فمثلا، في مياه شركة (1) نجد حوالي 25 ملغ/ل، و(2) 48 ملغ/ل، و(3) 120 ملغ/ل، و(4) الغازية طبيعيًا 313 ملغ/ل، بينما (5) تكاد تخلو منه بـ3 ملغ/ل فقط. هذه الأرقام موجودة على مواقع الشركات أو في تقاريرها الرسمية لكنها ليست دائمًا مطبوعة على القنينة بين يدي المستهلك.

وجود الصوديوم أو غيابه يحمل دلالة مهمة. منظمة الصحة العالمية لا تضع حدًا صحيًا صارمًا له في مياه الشرب لكنها تؤكد أن الطعم يصبح غير مقبول فوق 200 ملغ/ل. وبالنسبة لمرضى ارتفاع الضغط أو أمراض القلب، فإن مياه منخفضة الصوديوم أقل من 20 ملغ/ل تعتبر الخيار الأمثل. حين يُحرم المستهلك من معرفة كمية الصوديوم فهو يُحرم من حقه في الاختيار الواعي.

التلاعب يبدأ من اللغة، عندما تُستعمل شعارات مثل "نقاء طبيعي" أو "صفاء معدني" على ماء مائدة معالج، ويستمر في الملصق حين تُغيّب تفاصيل التركيبة، ثم يكتمل في تصميم القنينة الذي يجعل ماء المائدة يبدو شبيهًا بالماء المعدني الطبيعي مع الإشارة إلى الفئة بخط صغير بالكاد يُقرأ.

الخلاصة أن المستهلك المغربي يعيش في منطقة رمادية بين قانون ناقص، وملصقات غير واضحة، وتسويق مضلل. هو يشرب ماءً يعتقد أنه معدني بينما قد يكون في الحقيقة مجرد ماء مائدة معالج. الغموض حول الصوديوم ليس مسألة تقنية فقط، بل مؤشر على فجوة شفافية في قطاع يمسّ الصحة اليومية للملايين. والسؤال الذي يفرض نفسه: متى سيتحوّل الماء الشفاف إلى معلومة شفافة، تُكتب بوضوح على كل قنينة وتُمكّن المستهلك من معرفة ما يدخل إلى جسده؟