عفو بعد اتهامات بـ"الخيانة".. "مزراري" يعري نظام الكابرانات بعد صفقة الإفراج عن "صنصال"

في خضم التوترات المتصاعدة بين الجزائر وفرنسا، وما يرافقها من تحولات حادة في التوازنات الإقليمية والدولية، انفجرت قضية الكاتب والصحافي الفرنسي من أصول جزائرية بوعلام صنصال، لتتحول إلى أزمة دبلوماسية أعاقت العلاقات بين البلدين لأشهر.
فبعد سلسلة من التصريحات الرسمية النارية والتهديدات المتبادلة، بدا أن النظام الجزائري ماضٍ في موقفه تجاه صنصال الذي اعتُقل في نونبر 2024 على خلفية حديثه للإعلام الفرنسي عن أنّ مناطق واسعة من الغرب الجزائري، في إشارة مباشرة إلى الصحراء الشرقية، هي في الأصل أراضٍ مغربية اقتطعها الاستعمار الفرنسي وضمها بالقوة إلى الجزائر.
ولمعرفة تفاصيل أكثر حول الموضوع، كان لموقع أخبارنا حديث خاص مع الدكتور عبد الهادي مزراري أوضح من خلاله قائلاً: "بعد سلسلة من التصريحات الحادة والتهديدات المتبادلة، عادت السلطات الجزائرية لتفرج عن الكاتب والصحافي الفرنسي من أصول جزائرية بوعلام صنصال (76 سنة)، الذي اعتُقل في نونبر 2024 إثر حديثه لوسائل إعلام فرنسية عن أن مناطق واسعة من الغرب الجزائري، في إشارة إلى الصحراء الشرقية، هي في الأصل أراضٍ مغربية اقتطعها الاستعمار الفرنسي وضمها بالقوة إلى الجزائر عندما كانت مقاطعة فرنسية".
في سياق متصل، اعتبر النظام الجزائري الذي يعيش حالة عداء مستمر مع المغرب، تصريحات صنصال مساساً خطيراً بسيادة الجزائر ووحدة ترابها، وسارعت السلطات إلى اعتقاله فور عودته من فرنسا، مما فاقم التوتر القائم أصلاً مع باريس. وطالبت فرنسا بإطلاق سراح صنصال بشكل فوري، ولوحت بإجراءات صارمة ضد مسؤولين جزائريين، من بينها تجميد ودائع مالية لمسؤولين سياسيين وأمنيين وعسكريين في البنوك الفرنسية، ومنع دخول مسؤولين إلى فرنسا بما يشمل حاملي الجوازات الدبلوماسية، إضافة إلى سحب السفراء وطرد دبلوماسيين من الجانبين.
وعلى ضوء ما سلف ذكره، أكد مزراري أن الضغط الفرنسي المتواصل لم يغيّر موقف الجزائر التي تمسكت بسجن صنصال، خصوصاً بعد اعتراف باريس بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، حيث قال: "خرج الرئيس عبد المجيد تبون في 26 دجنبر 2024 بتصريح لاذع وصف فيه صنصال بأوصاف نابية من قبيل اللص واللقيط. وفي يوليوز 2025، أيد القضاء الجزائري الحكم بسجنه خمس سنوات وتغريمه 500 ألف دينار (نحو 3600 دولار)".
وتابع المتحدث أن ملف صنصال تحول إلى "عقدة أساسية" عطّلت كل محاولات التقارب بين باريس والجزائر، قائلاً: "أصبح ملف صنصال عقدة أساسية في العلاقات الفرنسية الجزائرية، وصار من الصعب تناول أي موضوع بين الطرفين دون أن تطالب باريس بإطلاق سراحه أولاً".
كما أشار مزراري إلى أن هذا التحول المفاجئ في موقف الجزائر بدأ في 10 نونبر 2025، عندما أعلنت الرئاسة الجزائرية عن توصل تبون برسالة من نظيره الألماني يطلب فيها إطلاق سراح صنصال لأسباب إنسانية، موضحاً: "لم تمض 48 ساعة حتى وصل صنصال إلى ألمانيا، وسط حملة ترويج جزائرية للقرار باعتباره 'التفاتة إنسانية نبيلة' من الرئيس الجزائري. وقد أثار هذا التحول المفاجئ أسئلة عديدة حول الدوافع الحقيقية وراء تغيير موقف الجزائر".
وفي شرحه لقراءات متعددة، أوضح مزراري أن بعض التفسيرات بدت ضعيفة، مثل القول بأن الأمر يتعلق بصفقة صحية لصالح تبون، قبل أن يوضح أن الخلفية الحقيقية توجد على مستوى الحسابات الدولية داخل الجزائر، قائلاً: "القرارات الحاسمة ليست بيد تبون بل بيد القيادة العسكرية… خصوصاً بعد الإخفاق الكبير في نزاع الصحراء عقب صدور قرار مجلس الأمن 2797 والذي شكل انتكاسة للدبلوماسية الجزائرية".
وتابع مزراري موضحاً أن الضغط الأميركي كان عاملاً حاسماً في تغيير موازين القرار داخل الجزائر، حيث قال: "في 20 أكتوبر 2025 صرح مبعوث الرئيس الأمريكي ستيف ويتكوف بأن أمام الجزائر مهلة 60 يوماً لتوقيع اتفاق سلام مع المغرب… عرض قاسٍ يشمل الاعتراف بسيادة المغرب وتفكيك جبهة البوليساريو والانخراط في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة".
وفي سياق متصل، أبرز مزراري أن مشروع القرار الأممي 2797، الذي امتنعت الصين وروسيا عن التصويت ضده، شكل صدمة جديدة للجزائر، مضيفاً: "وجدت الجزائر نفسها بدون حلفاء من الكبار، فعادت تفكر في العودة إلى الحضن الفرنسي".
وأضاف مزراري أن اتصالات سرية بدأت حينها بين مسؤولين جزائريين وفرنسيين لإزالة العقبات، وعلى رأسها ملف صنصال، قائلاً: "تم الاتفاق أولاً على إزالة العقبة التي شكلها اعتقال صنصال تمهيداً لخطوات تطبيع لاحقة… وكان لا بد من وسيط يحفظ ماء وجه الجزائر، فكانت ألمانيا الأنسب لهذا الدور".
وختم مزراري تحليله بالتأكيد على أن الجزائر وجدت نفسها بين خيارين ثقيلين على حد تعبيره، موضحاً: "فرنسا ترى في استعادة علاقاتها مع الجزائر مسألة استراتيجية… والجزائر تراها قشة نجاة وسط حصار سياسي ودبلوماسي متزايد. لكن يبقى السؤال الأبرز: هل ستسمح واشنطن للجزائر بالالتفاف على عرض الشراكة المقدم لها؟"