قرار مجلس الأمن رقم 2797 على سرير "بروكست"!

نوفمبر 21, 2025 - 10:50
 0
قرار مجلس الأمن رقم 2797 على سرير "بروكست"!

لا يزال قرار مجلس الأمن 2797 الخاص بالصحراء المغربية يثير الكثير من ردود الفعل المتباينة. وقد برزت في الأيام الأخيرة تأويلات وقراءات متعددة، بعضها صادر عن أطراف النزاع، وبعضها الآخر عن موظفين سابقين في الأمم المتحدة، ممن تميزت مساهماتهم في حل النزاع حول الصحراء المغربية بالفشل الذريع، نظير المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس. لقد تحول هؤلاء، عملياً، إلى "بروكست" جديد. و"بروكست" هذا شخصية يونانية كان قاطع طريق يملك سريرا في بيته، وفي كل مرة يحمل ضحية إلى منزله كان يضعها على السرير؛ فإذا صادف أن كانت الضحية أطول من السرير قطع أطرافها، وإن كانت أقصر منه مد جسدها بما يعنيه ذلك من تمزيق للجسد. هذا تماما ما يفعله كثيرون ممن يحاولون لي عنق الحقيقة، لأنهم ببساطة ينطلقون من قوالب جاهزة ومن قناعات خاصة أو مجرد أماني، لكنهم أمام الواقع يبحثون عن مبررات وتفسيرات لا يسعفها الواقع. ومثال ذلك ما تعرض له قرار مجلس الأمن 2797 من محاولات تحريف لفلسفته، ولمتنه، ولمخرجاته، من الجزائر وجبهة البوليساريو وتقنوقراط الأمم المتحدة بما يعكس حالة الارتباك التي يعيشونها. 

في ما يتعلق بالأطراف، عادت الجزائر إلى تكرار مقولة أن مجلس الأمن حدد المغرب و"جبهة البوليساريو" فقط، بينما أكد القرار بصريح العبارة المقصود بالأطراف، حيث جاء في ديباجته: "استمرار المشاورات بين المبعوث الشخصي والمغرب و'جبهة البوليساريو' والجزائر وموريتانيا للبناء على التقدم المُحرَز". نفس الأمر بخصوص إنكار كون مقترح الحكم الذاتي هو الحل الوحيد المقدم في إطار السيادة المغربية، فإننا نجد ضمن ديباجة القرار التأكيد بوضوح أن مجلس الأمن يرى بأن: "الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية يمكن أن يشكل الحل الأكثر جدوى".

وفي صلب القرار نجد أن مجلس الأمن كان أكثر وضوحاً في اختياره الحكم الذاتي أساسا وحيدا للتفاوض، إذ نص حرفيا على:

"اتخاذ المقترح المغربي للحكم الذاتي أساساً بهدف التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول لطرفي النزاع، بما يتسق مع ميثاق الأمم المتحدة، ويرحب بأي مقترحات بناءة تقدمها الأطراف استجابة لمقترح الحكم الذاتي"، إن وضوح هذه الفقرة ينسف السردية التي حاول خصوم المغرب بناءها بعد تجاوز صدمة اعتماد القرار، حيث سعوا إلى تفسير ترحيب مجلس الأمن بأي مقترحات وكأنه دعوة لتقديم بدائل لخطة الحكم الذاتي، بينما نص القرار واضح، إذ يربط أي مقترحات جديدة بمقترح الحكم الذاتي، بل ويشترط أن تكون بناءة، أي أن لا تكون مجرد مضيعة للوقت على شاكلة المقترحات السابقة التي لم يلتفت لها أصلا مجلس الأمن. 

أما الفشل الثاني في السردية الجديدة لخصوم المغرب، فيتجلى في عجزهم عن استيعاب التموقع الجديد لمجلس الأمن بخصوص النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، فقد تميز القرار 2797 بلغة جديدة ابتعدت كثيراً عن العبارات الرمادية التي تحمل تأويلات مختلفة، أو تلك الصياغات المتناقضة التي كانت سابقا تسعى لإرضاء جميع الأطراف في ظل عجز المجلس عن الحسم في اختيار واضح. هذا الأمر تغير اليوم، وهو ما انعكس في صياغة نص القرار بوضوح كامل يعكس قناعة مجلس الأمن بأن الحكم الذاتي هو الاختيار الصائب بعد خمسين سنة من النزاع الذي انشغلت الأمم المتحدة بإدارته بدل حله. هنا برز عجز الجزائر وجبهة البوليساريو عن استيعاب هذه المقاربة الجديدة، وحاولا استرجاع مفاهيم وأدبيات الأمم المتحدة وانتزاعها من سياقها عبر قراءة خاصة لا يسندها القرار، من ذلك حديثهما عن كون مجلس الأمن حافظ على مبدأ تقرير المصير وفق قراءة خاصة وجامدة ومتجاوزة تجعل من هذا المبدأ منطلقا يؤدي تلقائيا إلى الانفصال، بينما هذا المبدأ — الذي كان المغرب ضمن لجنة صياغته بمناسبة صدور قرار الجمعية العامة 1514 لسنة 1960 — لا يُربط تلقائياً بشكله الخارجي (الاستقلال/الانفصال) دون شكله الداخلي (الديمقراطية، المشاركة، امتلاك القرار الاقتصادي والاجتماعي)، وأساسا لا يمكن أن يتحقق على حساب مبدأ آخر هو حق الدول في الحفاظ على وحدتها الترابية. لهذا شهد الفقه الدولي تطوراً في فهم تقرير المصير الذي يمكن تحقيقه عبر أشكال متعددة، أحدها الحكم الذاتي، وهذا بالضبط ما اتجه إليه مجلس الأمن في القرار 2797 الذي ينص بوضوح على: "اعتبار المقترح المغربي للحكم الذاتي أساساً، بهدف التوصل إلى حل سياسي نهائي ومقبول للطرفين يضمن حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية، ويقر بأن الحكم الذاتي الحقيقي يمكن أن يشكل النتيجة الأكثر قابلية للتحقق، ويشجع الأطراف على تقديم أفكار تدعم التوصل إلى حل نهائي مقبول للطرفين". وهذا يعني أن مسار المفاوضات على أرضية الحكم الذاتي يفضي إلى حل سياسي يمثل تجسيدا لحق تقرير المصير، وهو عمل تأسيسي ولحظة تحول مهمة في القانون الدولي تمنح أملا لحل العديد من النزاعات حول العالم.

أما في ما يتعلق بضرورة احترام اتفاقات وقف إطلاق النار التي شكلت أساس مسلسل التسوية سنة 1991، فقد أعاد مجلس الأمن التأكيد على وقف الأعمال العسكرية، حيث شدد على "أهمية احترام وقف إطلاق النار وتجنب أي عمل قد يعرض العملية السياسية للخطر"، وهو أمر يخص "جبهة البوليساريو" التي أعلنت من جانب واحد العودة إلى الحرب رغم افتقادها القدرة الفعلية على ذلك.

وفيما يخص موضوع "اللاجئين" في مخيمات تندوف، فقد أعرب مجلس الأمن عن قلقه إزاء وضعيتهم، وهي مسؤولية تقع على عاتق الجزائر باعتبار أن جيشها هو الذي يسيطر ويدير المخيمات بجانب مسلحين من "جبهة البوليساريو"، حيث جدد المجلس الدعوة إلى إحصاء المحتجزين، وهو مطلب قديم للمغرب وللأمم المتحدة، رفضته الجزائر باستمرار، علما أن سكان المخيمات لا يتمتعون فعلياً بصفة لاجئ وفق اتفاقية جنيف لعام 1951 بل هم في غالبيتهم القصوى في وضعية احتجاز داخل المخيمات، كما أن مسلحي "البوليساريو" لا يحملون صفة لاجئين بأي حال ولا يمكنهم ذلك وفقا للقانون الدولي، فقرار الجمعية العامة 46/182 (1991)  ينص على ضرورة الحفاظ على الطابع المدني والإنساني لمواقع اللاجئين، بما يعني منع دخول العناصر المسلحة إليها. وتؤكد توجيهات مفوضية شؤون اللاجئين لسنة 2007 على الطابع المدني لمخيمات اللاجئين في أي مكان في العالم عبر واجب نزع سلاح جميع الوافدين قبل تسجيلهم كلاجئين. ويعود ذلك أيضاً إلى البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، حيث تنص المادة 50 على أن المقاتلين ليسوا أشخاصاً مدنيين، وبالتالي لا يشملهم نظام الحماية الخاص باللاجئين.

هذه القراءة في حالة إنكار الواقع من قبل الجزائر و "جبهة البوليساريو" توضح أن الكثير من الأساطير اليونانية لا تزال تُستحضر عند البعض لتجنب رؤية الواقع، لكنها لحسن الحظ لا تلغي الحقيقة…