قرار وزارة التعليم العالي بخصوص دفتر الضوابط البيداغوجية الماستر : ارتجال أم إصلاح؟

في خطوة وُصفت بالمفاجئة، أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار قراراً ومذكرة توجيهية قلَبا المشهد الجامعي رأساً على عقب. القرار، الذي يفرض تعديلات على سير الماسترات، فجّر نقاشاً واسعاً بين الأساتذة والطلبة حول مشروعيته القانونية وتداعياته العملية. فهل هو إصلاح طال انتظاره، أم ارتجال يهدد استقرار الجامعة المغربية ويقوّض الثقة في مسار إصلاح التعليم العالي؟
من حق الجامعة أن تواجه الوزارة بالحقيقة
مرة أخرى، تجد الجامعة نفسها في قلب عاصفة قرار وزاري فوقي ومفاجئ، يثير الجدل أكثر مما يقدم حلولاً. يتعلق الأمر بالقرار الوزاري رقم 1891.25 والمذكرة التوجيهية رقم 07/0321 بتاريخ 12 شتنبر 2025، اللذين قلبا موازين السير العادي للماسترات القائمة، وأدخلا المشهد الجامعي في حالة ارتباك غير مسبوق.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يجوز قانوناً تنزيل هذا القرار على الماسترات المحدثة قبل صدوره؟
القانون واضح: لا رجعية للقوانين
الدستور المغربي حاسم في تأكيده على مبدإ عدم رجعية القوانين. وأي محاولة لتطبيق القرار بأثر رجعي على الماسترات القائمة ليست سوى خرق سافر للدستور، وضرب لمبدأ الأمن القانوني الذي يحمي الطلبة والأساتيذ والمؤسسات.
ثم إن كل ماستر أحدث قبل هذا القرار يستند إلى دفتر ضوابط بيداغوجية مصادق عليه، وأي تعديل على هذا الدفتر يجب أن يمر وجوباً عبر الوكالة الوطنية لتقييم جودة التعليم العالي والبحث العلمي، وهي مسطرة تتطلب وقتاً وتدقيقاً وأهم مراجعة كل ماستر على حدة، ولا يمكن القفز عليها بجرة قلم أو بمذكرة فوقية.
ارتباك وتوتر في بداية الموسم الجامعي
كيف يعقل أن يُطلب من الجامعات تطبيق قرار بهذه الحمولة الثقيلة بعد انطلاق الموسم الجامعي؟ أليس في ذلك استخفاف بمجهودات الأساتيذ الباحثين الذين أعدوا برامجهم وفق الضوابط السابقة؟
وأي ذنب للطلبة الذين التحقوا بالماسترات بشروط واضحة ليجدوا أنفسهم فجأة أمام تغيير مفاجئ يربك مسارهم التكويني؟
ثم ماذا عن الإمكانيات المادية والبشرية واللوجستية اللازمة لتنفيذ القرار؟ هل فكرت الوزارة في قدرة المؤسسات الجامعية على استيعاب الأعداد الضخمة من الراغبين في التسجيل؟
إن مثل هذه القرارات لا تولّد إلا مزيداً من الارتباك، وتعمّق الفجوة بين الوزارة والجامعات، وتزعزع الثقة الضرورية لنجاح أي إصلاح حقيقي.
المسؤولية والشفافية
بدلاً من تحميل الجامعات وزر الارتجال، كان على الوزارة أن تتحلى بالشجاعة والشفافية وتخاطب الرأي العام الجامعي بوضوح فتشرح :
- أن القرار يسري حصراً على الماسترات التي ستُحدث بعد صدوره، لا قبل ذلك.
- أن أي تعديل على الماسترات القائمة يحتاج إلى مسار قانوني كامل يمر عبر الوكالة الوطنية للمصادقة، ما يجعلها في مأمن من أي تعديل فوري.
نداء لكل أذن صاغية
اليوم أكثر من أي وقت مضى، تحتاج الجامعة إلى حوار حقيقي، لا إلى قرارات فوقية متسرعة. إصلاح التعليم العالي لا يتم بالضغط والإكراه، بل بالانخراط الجماعي للأساتيذ والطلبة والإداريين في صياغة مشروع يحترم القوانين والدستور ويصون كرامة الجامعة المغربية.
وعليه، فإننا ندعو الوزارة إلى التريث والتعقل، ووقف محاولات فرض الأمر الواقع، واعتماد مقاربة تشاركية تضمن تنزيل القرارات في الوقت المناسب ووفق القانون. فالإصلاح لا يبدأ بكسر القواعد، بل باحترامها وصيانتها.