من المسيرة الخضراء إلى عيد الوحدة.. قرار أممي يرسخ مغربية الصحراء إلى الأبد

نوفمبر 9, 2025 - 19:30
 0
من المسيرة الخضراء إلى عيد الوحدة.. قرار أممي يرسخ مغربية الصحراء إلى الأبد

مع إطلالة الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة، التي جسدت عبقرية الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، وإرادة شعبية جارفة لاسترجاع الحقوق المغتصبة، تعيش المملكة المغربية لحظة فارقة تاريخية. هذه الذكرى ليست احتفاءً بالماضي فحسب، بل تتويج لمسار نضال دبلوماسي وتنموي متواصل، قاده جلالة الملك محمد السادس برؤية استشرافية ثاقبة، لترسيخ السيادة الكاملة على الأقاليم الجنوبية. يتزامن ذلك مع اعتماد مجلس الأمن الدولي قراراً تاريخياً برقم 2797 في 31 أكتوبر 2025، الذي يؤكد على مبادرة الحكم الذاتي المغربية كالحل الوحيد الجاد، الواقعي، والمستدام لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، مع تجديد ولاية بعثة المينورسو حتى 31 أكتوبر 2026. هذا الإنجاز، الذي حظي بدعم أغلبية ساحقة بلغت 11 صوتاً مقابل امتناع ثلاث دول (روسيا والصين وباكستان)، يعزز عزلة خصوم الوحدة الترابية، ويأتي متوجاً بإعلان جلالة الملك محمد السادس عن اعتبار 31 أكتوبر "عيداً للوحدة"، رمزاً للمنعطف الحاسم نحو عصر جديد من اليقين الوطني والازدهار الإقليمي.

يُعد قرار 2797 تحولاً جذرياً في مسار النزاع، حيث يصف النص، الذي صاغته الولايات المتحدة، المبادرة المغربية بأنها "الحل الأكثر جدوى وواقعية واستدامة"، محطماً أي أوهام حول خيارات أخرى مثل الاستفتاء، الذي أثبتت التقارير الأممية عدم قابليته للتطبيق. يدعو القرار إلى حل سياسي توافقي، موجهاً الدعوة صراحة للجزائر كطرف رئيسي في صنع النزاع وتغذيته، للانخراط في الموائد المستديرة بروح واقعية. انسحاب الجزائر من التصويت لا يخفي الإجماع الدولي، بل يعكس عزلتها وفشل أطروحاتها الانفصالية. أشادت تقارير الأمم المتحدة، بما فيها إحاطات المبعوث الخاص ستافان دي ميستورا، بتعاون المغرب التام مع المينورسو، وانفتاح الأقاليم الجنوبية على العالم، مقابل انتقادات حادة لعدم الشفافية في مخيمات تندوف، وغياب إحصاء السكان، والدور المزعزع الذي تلعبه الجزائر عبر دعم ميليشيات "البوليساريو"، التي تفتقر إلى أي تمثيلية حقيقية لسكان الصحراء.

في أعقاب هذا النصر الأممي، وجه جلالة الملك محمد السادس خطاباً سامياً إلى الأمة، يجسد الحكمة الملكية والثبات الوطني. أعلن جلالته أن "هناك ما قبل 31 أكتوبر 2025 وما بعده"، مشدداً على أن هذا التاريخ يمثل "مرحلة فاصلة وحاسمة في تاريخ المغرب الحديث"، ثمرة لجهود دبلوماسية مستمرة تحت قيادته الرشيدة. ربط الخطاب ببراعة بين النصر الدبلوماسي والعمق التاريخي للمسيرة الخضراء، مع دعوة إنسانية مباشرة للمغاربة المحتجزين في تندوف، واصفاً الفرصة بـ"التاريخية" للعودة إلى الوطن "الغفور الرحيم"، مع ضمانات كاملة للكرامة، الاندماج الاجتماعي، والاستفادة من الفرص الاقتصادية. هذه الدعوة تفضح زيف الادعاءات الانفصالية، وتؤكد أن مكانهم داخل وطنهم للمساهمة في بنائه. كما عبر جلالته عن شكره للدول الداعمة، خاصة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، معززاً الشراكات الاستراتيجية.

كما شكل إعلان 31 أكتوبر "عيداً للوحدة" خطوة رمزية بالغة الأهمية. فإذا كان 6 نوفمبر (المسيرة الخضراء) يمثل عيد استرجاع الأرض بالإرادة الشعبية، فإن 31 أكتوبر (القرار 2797) يمثل عيد ترسيخ السيادة بالقانون الدولي والدبلوماسية، ليصبح يوماً وطنياً يجسد التلاحم الأبدي بين العرش والشعب.

لفهم عمق الموقف المغربي، يجب العودة إلى التاريخ. إن سيادة المغرب على صحرائه ليست وليدة قرار إداري أو مفاوضات ما بعد الاستعمار. إنها متجذرة في روابط البيعة التاريخية والأزلية التي جمعت على مر العصور بين سلاطين المغرب وملوكه وبين القبائل الصحراوية. هذه الروابط الروحية والسياسية، التي وثقتها مئات المراسلات والظهائر، تشكل العقد غير القابل للكسر الذي يربط الصحراء بمغربها.

لقد كانت المسيرة الخضراء عام 1975، التي أبدعها جلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، تجسيداً عملياً لهذه الشرعية التاريخية. لم تكن مسيرة لـ "غزو" أرض، بل كانت مسيرة لـ "صلة الرحم" بأبناء الوطن في جنوبه، حاملة القرآن كرمز للسلام، والأعلام الوطنية كرمز للسيادة. إن مشاركة 350 ألف مغربي ومغربية لم تكن سوى استفتاء شعبي أكد للعالم أن الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه.

اليوم، بعد نصف قرن، على المستوى التنموي، يعزز المغرب موقعه من خلال مشاريع عملاقة في الأقاليم الجنوبية، مثل ميناء الداخلة الأطلسي الذي أصبح الآن جاهزاً للعمل ويُتوقع أن يولد أكثر من 10 آلاف فرصة عمل مباشرة، ومحطة نور الداخلة للطاقة الشمسية، التي أشاد بها البنك الدولي كنموذج للتحول الأخضر والطاقة المتجددة، مع إنتاج يصل إلى 500 ميغاواط. هذه المبادرات، التي أكدها الخطاب الملكي، تجعل الإنسان الصحراوي محور التنمية، من خلال برامج تمكين الشباب وتوفير مؤسسات تعليمية حديثة ومتقدمة، حيث ارتفع معدل التعليم في المنطقة إلى 95% وفق إحصائيات الجهاز الوطني للإحصاء. في المقابل، تبرز تدهورات في تندوف من حيث الانتهاكات الحقوقية ونقص الخدمات الأساسية، كما وثقتها منظمة هيومن رايتس ووتش. هذا النهج المتكامل يعزز الاندماج الوطني، ويجعل الصحراء بوابةً إلى التكامل الإفريقي، كما يظهر في مبادرات الحزام الأزرق للصيد المستدام وتكيف الزراعة الإفريقية (AAA)، التي تعزز التعاون جنوب-جنوب وأدت إلى اتفاقيات مع 20 دولة إفريقية.

في السياق الأفريقي، يرسخ المغرب مكانته كقاطرة للتنمية منذ عودته إلى الاتحاد الأفريقي في 2017، حيث تحولت دول كبرى كنيجيريا مثلاً نحو تعزيز الشراكات الاقتصادية مع المغرب في مجالات الطاقة والتجارة، مع فتح قنصليات في الأقاليم الجنوبية، مما أدى إلى زيادة الاستثمارات بنسبة تصل إلى 13% سنوياً. قرار 2797 يدعم هذا الزخم، إذ يدعو إلى استئناف المفاوضات السياسية بمشاركة الجزائر كطرف رئيسي، مما يعمق عزلتها التي تواجه انتقادات دولية لتورطها في دعم الميليشيات المسلحة وتعطيل عملية السلام. على الصعيد الدولي، يعكس الدعم الأمريكي والأوروبي تحولاً نحو رفض النزاعات المفتعلة، مما يفتح آفاقاً لاستثمارات جديدة في الطاقة المتجددة والتجارة عبر الأطلسي، مع تعزيز دور المغرب كشريك استراتيجي في مكافحة الإرهاب والتغير المناخي.

يبرز الدور الشعبي في تعزيز الوحدة الترابية كعامل حاسم، حيث يتجسد التلاحم الوطني في مشاركة واسعة من المجتمع المدني والشباب الصحراوي. في الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، شهدت مدن العيون والداخلة احتفالات شعبية عفوية تحت شعار «الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه»، مع تنظيم منتديات حوارية تسلط الضوء على التراث الحساني كجزء لا يتجزأ من الهوية المغربية. هذه الدينامية، المدعومة ببرامج التمكين الجهوي، رفعت نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية إلى أكثر من 70%، مما يعكس رفضاً قاطعاً للسرديات الانفصالية وثقة راسخة في النموذج التنموي الجديد. كما ساهمت الجمعيات الشبابية في حملات توعوية دولية، مستندة إلى قصص نجاح عائدين من مخيمات تندوف. هذا الزخم، المدعوم بصندوق التنمية الجهوية (أكثر من 10 مليارات درهم)، يؤكد أن السيادة المغربية إرادة شعبية حية تدفع نحو إغلاق الملف نهائياً وتحويل الأقاليم الجنوبية إلى نموذج للتنمية المستدامة.

مع الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء الظافرة، تتوالى المؤشرات الإيجابية على أن عام 2025 يمثل السنة الفاصلة لإغلاق ملف الصحراء المغربية بشكل نهائي. يعزز قرار مجلس الأمن الأممي رقم 2797، والخطاب الملكي السامي لجلالة الملك محمد السادس، الإطار القانوني والدبلوماسي لمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي ومستدام، مع تصاعد الضغوط الدولية على الجزائر للانخراط في عملية سياسية بناءة وتخليها عن دعم النزاعات المفتعلة. رغم بعض العقبات المتبقية، إلا أن الزخم الدبلوماسي والإنمائي الحالي يجعل الإغلاق النهائي للملف أمراً قاب قوسين أو أدنى، خاصة مع تأكيد المبادرة المغربية كأساس أمثل للتفاوض، وإعلان جلالة الملك ليوم 31 أكتوبر من كل عام "عيد الوحدة" كرمز خالد للتلاحم الوطني والنزاهة الترابية للمملكة.

في هذه الذكرى التاريخية، يقف المغرب على أعتاب عصر جديد من الوحدة والازدهار، مدعوماً بشرعية تاريخية، دعم دولي متصاعد، ونموذج تنموي ملهم يجعل الإنسان محور كل جهد. القرار 2797، الخطاب الملكي السامي، وعيد الوحدة ليسوا سوى تتويج لمسار طويل من النضال السلمي، يؤكد أحقية المغرب في صحرائه ويفتح صفحة جديدة من الاستقرار الإقليمي والتكامل الإفريقي. تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، يتقدم المغرب بخطى واثقة نحو إغلاق هذا الملف إلى الأبد، معززاً مكانته كقوة إفريقية رائدة في بناء مستقبل مشرق للجميع.