هل تتجه قضية الصحراء للحسم النهائي؟

أكتوبر 18, 2025 - 13:35
 0
هل تتجه قضية الصحراء للحسم النهائي؟

تعرف قضية الصحراء ديناميات متباينة بين أطراف الصراع خلال شهر أكتوبر الجاري، وذلك عقب تقديم كل من المبعوث الشخصي للأمين العام ستيفان ديميستورا، وألكسندر إيفانكو رئيس بعثة المينورسو إحاطتهم بين يدي مجلس الأمن الأسبوع الماضي، في انتظار قرار مجلس الأمن نهاية هذا الشهر.

في واقع الأمر، هناك اتجاهان اثنان، يؤطران هذه الديناميات: اتجاه طي هذا الملف، عبر التوصل لتسوية نهائية له، وهو ما ظهرت مؤشراته قبل ستة أشهر، سواء من خلال خطاب المبعوث الخاص للأمين العام قبل ستة أشهر، والذي يومئ لإمكان أن تعلن الأمم المتحدة فشلها في إدارة هذا الملف، وبالتالي إخراج هذا الملف من اللجنة الرابعة المتعلقة بتصفية الاستعمار، بحجة أن وضعية الاستعمار بعد خروج إسبانيا من منطقة الصحراء لم يعد قائما، وأنه لم يعد من خيار لتقرير المصير سوى خيار الحكم الذاتي خاصة بعد ثبوت فشل خيار الاستفتاء، أم من خلال دعوة الولايات المتحدة الأمريكية في أبريل الماضي الأطراف إلى المسارعة للتوصل لحل النزاع في ظرف ستة أشهر، أي قبل انصرام شهر أكتوبر الجاري.

وأما الاتجاه الثاني، فيعول على بقاء الوضع على ما هو عليه، واستمرار مجلس الأمن في لعب نفس الدور، دون أن تكون للولايات المتحدة الأمريكية ولا للمجتمع الدولي سلطة في توجيه الحل إلى خيار معين، ما دام طرفا النزاع لم يتوصلا عبر التفاوض المباشر لحل للنزاع.

عمليا، ينخرط المغرب في الاتجاه الأول، بينما يظهر من الجزائر عدم الاعتبار بأي متغير في السياسة الدولية ولا بتحول مواقف الأطراف، إذ لا تزال مصرة على دعم جبهة البوليساريو في تبني تقرير المصير عبر خيار الاستفتاء.

استقراء الديناميات سجلت طيلة ستة أشهر الأخيرة، يرسم ثلاثة تطورات مهمة، أولها، زيارة كبير مستشاري الرئيس الأمريكي مسعد بولس للمنطقة، وحديثه الصريح عن ثبات واستقرار الموقف المغربي الداعم للسيادة المغربية على الصحراء، وتشجيعها لحل الحكم الذاتي وضرورة التوصل لحل سياسي وسريع النزاع، وثانيها استمرار زخم دعم الموقف المغربي للحكم الذاتي، من خلال تسجيل تحول مهم في موقف كل من بريطانيا لجهة دعم الحكم الذاتي، وتسجيل المغرب لاختراق مهم في الموقف الروسي، وذلك بإعلان وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف بأن روسيا مستعدة للترحيب بالحكم الذاتي، وأنه يمكن أن يكون أحد أشكال تقرير المصير في حال توافق الأطراف عليه وأن يكون ذلك تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو الموقف الذي تسعى الخارجية المغربية إلى تحصيل مزيد من التطور فيه خلال الأيام القليلة القادمة، وتراهن في ذلك على زيارة ناصر بوريطة لموسكو التي انطلقت أمس الخميس، وتعتبر أن مفتاح هذا التحول الممكن، هو مزيد من توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي والتقني بين البلدين، وتحقيق تقدم مهم في تعزيز الشراكة المتعددة الأبعاد بين البلدين. وأما التطور الثالث، والذي لم تظهر مؤشراته بشكل علني، فقد انصرف إلى جهود الوساطة بين المغرب والجزائر لتطبيع العلاقة بين البلدين، ويبدو أن المملكة العربية السعودية اضطلعت بهذه المهمة من خلال زيارة لمبعوث من خادم الحرمين وولي عهد المملكة في السابع من أكتوبر إلى المغرب، لم يتم الكشف عن مضمونها، في الوقت الذي صرح فيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بوجود وساطة بين البلدين، وتشبث بلاده بموقفها في إغلاق الحدود وقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب.

في الحاصل، تصب الديناميات كلها لصالح المغرب، فالمقترح المغربي للحكم الذاتي اخترق بشكل متفاوت الدرجة ،أعضاء مجلس الأمن (الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا، وروسيا) باستثناء الصين، التي غالبا ما تختار سياسة النأي المتوازنة وغير المؤثرة سلبا على ديناميات الموقف المغربي، في حين لم تعر الجزائر اهتماما لكل هذه التحولات، ولم تلتفت إلى دعوات القوى الدولية بضرورة الحوار مع المغرب، والانخراط في جهود التكامل الاقتصادي في المنطقة، على اعتبار أن هذه المطالب أضحت تُعتبر شروطا لتثبيت الاستقرار في المنطقة، والإجابة عن التحديات الأمنية في منطقة الساحل جنوب الصحراء، ولا تزال تعتبر أن الديناميات السياسية، وتحولات الموقف الدولي، لا يمكن أن تكون بديلا عن مواقف طرفي النزاع.

تبدو المفارقة جوهرية بين موقف كل من المغرب والجزائر، فبينما يراهن المغرب على التحولات التي تحصل في الموقف الدولي لجهة دعم مقترحه للحكم الذاتي، تضع الجزائر كل بيضها في ثبات موقف جبهة البوليساريو، وأنه لا أحد يستطيع تغيير المعادلة السياسية على الأرض، لأنها مرتبطة بمحددات أممية، تجعل حل النزاع منوطا بإرادة طرفي النزاع.

في الحاصل، ثمة ثلاث محددات مهمة ينبغي أخذها بعين الاعتبار في أي استشراف مستقبلي لملف الصحراء، أولها، أن قرار مجلس الأمن، يرجع في البدء والنهاية إلى موقف طرفي النزاع، وأيضا إلى مواقف أعضاء مجلس الأمن، وذلك استنادا إلى إحاطتي كل من المبعوث الشخصي للأمين العام ورئيس بعثة المينورسو، وهو ما يعني إمكان أن يتجه القرار في اتجاه دعم المقترح المغربي للحكم الذاتي بوصفه أحد أشكال تقرير المصير، دون أن يتعارض ذلك مع المحددات الأممية، بحكم أن الأمم المتحدة تضع خيارات كثيرة لتقرير المصير، ولم يحصل أن حصرتها في شكل واحد، وأيضا بحكم تأكدها من أن خيار الاستفتاء غير واقعي وغير قابل للتطبيق. وثانيها، أن مجلس الأمن أعطى إشارات في جلسة نيسان /أبريل الماضي، بأنه لن يبقى معنيا بحل النزاع إن استمرت الأطراف في تبني نفس أطروحاتهم في عدم التقدم في اتجاه حل سياسي للنزاع، وهو ما يعني أن الأفق مفتوح على خروج مجلس الأمن من هذا الموضوع في هذه الحالة استحالة، وإذ ذاك يمكن أن نتصور عددا من السيناريوهات، منها إخراج الملف بالكلية من اللجنة الرابعة، سواء بطلب مغربي، أو بطلب من غير المغرب. والمحدد الثالث، وهو سياسي بامتياز، وهو أن المجتمع الدولي، وبخاصة منه الغربي (الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا) معني بحل النزاع وفقا للمقترح المغربي للحكم الذاتي، وأن العقبة المتبقية هي الموقف الروسي، بحكم أن الصين كما دأبت في موقفها، لا يمكن أن تختار معاندة ومقاومة هذا الاتجاه، وأنه لهذا الأمر، يسعى المغرب بكل إمكانه الدبلوماسي أن يجر روسيا إلى خانته، خاصة بعد توسع جبهة الخلاف بينها وبين الجزائر على قضايا عدة، في مقدمتها منطقة الساحل جنوب الصحراء. فلا شك أن محادثات وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في موسكو على هامش الدورة الثامنة للجنة الحكومية المشتركة الروسية المغربية للتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني التي انطلقت أمس الخميس ستتناول إضافة إلى تعزيز الشراكة بين البلدين، التنسيق وتبادل وجهات النظر حول سبل دعم الاستقرار في منطقة الساحل، بحكم فعالية الدور المغربي في هذه المنطقة، وحاجة روسيا إلى دوره، وإمكان حصول توافقات روسية مغربية في هذا الاتجاه.

 

كاتب وباحث مغربي