أطفال ومراهقون يغامرون بحياتهم خلف الحافلات والشاحنات.. ظاهرة تفضح أزمة تربوية واجتماعية خطيرة بالمغرب

أغسطس 18, 2025 - 13:10
 0
أطفال ومراهقون يغامرون بحياتهم خلف الحافلات والشاحنات.. ظاهرة تفضح أزمة تربوية واجتماعية خطيرة بالمغرب

في مشهد صادم يتكرر في شوارع العديد من المدن المغربية، بات مألوفاً أن نشاهد أطفالاً ومراهقين يتشبثون بخلف الحافلات أو الشاحنات، سواء بدراجاتهم الهوائية أو بأحذيتهم ذات العجلات (ROLLERS)، في مغامرات محفوفة بالمخاطر قد تنتهي في أية لحظة بكارثة مأساوية.

الصورة التي وثقها أحد المواطنين مؤخراً، والتي يظهر فيها مجموعة من اليافعين يجرّون أنفسهم بخلف حافلة للنقل العمومي على الطريق الرابطة بين مدينتي تطوان ومرتيل، ليست سوى نموذج حي لظاهرة آخذة في الانتشار، تعكس استهتار هؤلاء الأطفال بحياتهم وغياب وازع تربوي يردعهم.

البعد الاجتماعي: فراغ تربوي وتراجع دور الأسرة

المتتبع لهذه السلوكيات يلمس بوضوح غياب الرقابة الأسرية، وتراجع الدور التوجيهي للمدرسة، وضعف تأثير الفضاءات التربوية البديلة كدور الشباب والنوادي الرياضية، فالكثير من هؤلاء الأطفال ينتمون إلى أوساط تعاني هشاشة اجتماعية أو اقتصادية، ما يجعل الشارع ملعبهم الوحيد، والمغامرة وسيلتهم لإثبات الذات أو جلب الانتباه.

ويحذر علماء الاجتماع من أن هذه الممارسات ليست مجرد لهو عابر، بل مؤشر على أزمة أعمق مرتبطة بضعف التربية على ثقافة السلامة، وانعدام بدائل صحية وآمنة للترويح عن النفس.

البعد القانوني: بين المسؤولية والردع

القانون المغربي واضح في هذا الباب، إذ يعتبر الطريق العام فضاء منظماً بقوانين صارمة، ويجرم أي سلوك يعرض سلامة الأفراد أو مستعملي الطريق للخطر، فالفصل 432 من القانون الجنائي يعاقب كل من تسبب بإهماله أو عدم احتياطه أو عدم مراعاته للأنظمة في قتل غيره بعقوبات قد تصل إلى السجن، كما أن مدونة السير تحمل الآباء والأولياء جزءاً من المسؤولية في حال تقصيرهم في مراقبة أبنائهم القاصرين.

غير أن التطبيق الصارم لهذه المقتضيات يبقى محدوداً، في ظل ضعف المراقبة الميدانية وعدم تفعيل آليات الردع بشكل يجعل الظاهرة تتقلص.

البعد التربوي والوقائي: الحاجة إلى سياسة متكاملة

الحلول الترقيعية لم تعد كافية، المطلوب اليوم هو بلورة سياسة وقائية متكاملة تدمج بين:

• التربية الأسرية والمدرسية: عبر إدراج حصص للتربية على السلامة الطرقية منذ المراحل الأولى للتعليم.

• تأهيل الفضاءات العمومية: بتوفير ملاعب وأماكن آمنة لممارسة الرياضة والأنشطة الترفيهية.

• التحسيس المستمر: من خلال الإعلام وجمعيات المجتمع المدني، عبر حملات تستهدف الأطفال والآباء على حد سواء.

• التطبيق الصارم للقانون: بمتابعة المخالفين وردع كل سلوك يهدد السلامة العامة.

إن ما نشهده اليوم من تهور الأطفال والمراهقين في الطرقات ليس مجرد حوادث معزولة، بل ظاهرة اجتماعية وقانونية تستدعي وقفة جادة من مختلف المتدخلين: الأسرة، المدرسة، المجتمع المدني، والسلطات العمومية، فالأطفال الذين يغامرون بحياتهم على الطرقات إنما يعبرون بصمت عن أزمة تربية وفراغ اجتماعي، وإذا لم يتم التدخل العاجل، فإن المجتمع سيدفع الثمن غالياً في شكل مآسٍ إنسانية يمكن تجنبها.