الأديب والخبير القانوني السوداني أسامة رقيعة: المغرب روح ممتدة في تاريخ الإنسان ووطن للذاكرة والجمال، يَسكُنني ويمنحني شعور القرابة الروحية(حوار)

سبتمبر 6, 2025 - 19:40
 0
الأديب والخبير القانوني السوداني أسامة رقيعة: المغرب روح ممتدة في تاريخ الإنسان ووطن للذاكرة والجمال، يَسكُنني ويمنحني شعور القرابة الروحية(حوار)

- تفكرون في إطلاق جائزة للإبداع في المغرب، ما الذي يجعل المغرب أرضًا خصبة لهذا المشروع، وما الإضافة التي تطمحون إلى  تحقيقها للمشهد الثقافي المغربي والعربي كذلك؟

المغرب ليس مجرد جغرافيا، بل روح ممتدة في تاريخ الإنسان، أرضه جمعت بين الأمازيغي والحسّاني والعربي والأندلسي والإفريقي، فصارت مختبرًا للتنوع ووطنًا للذاكرة والجمال. حين نفكر في جائزة للإبداع في المغرب، فإننا نستحضر هذا التنوع الذي يشبه لوحة إنسانية، كل جزء منها يضيء الآخر.

وما نطمح إليه ليس إضافة جائزة إلى قائمة الجوائز، بل فتح نافذة جديدة للحوار الثقافي بين المشرق والمغرب، بين العربي والإنساني. نريد أن تكون الجائزة جسرًا يعبره الإبداع ليُعيد تعريف نفسه من خلال المغرب، وليجعل من الثقافة المغربية نقطة إشعاع للعالم العربي بأسره.

- تجمعكم علاقة خاصة بالمغرب وأهله، كيف تصفون هذا الارتباط، وما الذي يمثّله لكم المغرب على المستويين الإنساني والإبداعي؟

المغرب بالنسبة لي ليس بلدا أزوره، بل وطنا يسكنني، في دفء ناسه رأيت انعكاس الإنسانية في أبسط صورها، وفي تنوعه الثقافي وجدت صدى لرحلتي الخاصة بين القانون والأدب، بين الواقع والحلم، والمغرب علّمني أن الهوية ليست جدرانًا تُغلق، بل أبوابًا تُفتح.

وعلى المستوى الإنساني، المغرب يمنحني شعور القرابة الروحية، وكأنني بين أهلي. وعلى المستوى الإبداعي، هو فضاء يُغذّي خيالي بما فيه من أتاريخ وحداثة. كل لقاء مع المغرب وأهله هو درس في المحبة ودرس في كيف يمكن للإبداع أن يكون جامعًا لا مفرقًا.

- جمعتَ بين صرامة القانون وروح الأدب — هل شعرت يومًا أن هذين العالمين يتعارضان، أم يكمل أحدهما الآخر؟

لم أرهما يومًا خصمين، بل رفيقين في الرحلة. القانون منحني الصرامة والانضباط، والأدب وهبني الرؤية والبصيرة. أحدهما يضع لي الحدود، والآخر يفتح لي الأفق. هما كالنهر وضفتيه، لا معنى لأحدهما دون الآخر وفي كل ذلك سلاحي هي الكلمة والكلمات هنا جمال وهناك عدالة جميلة .

- روايتك الشبح الشفاف تتناول موضوعات روحية ووجودية، هل كان كتابتها بالنسبة لك فعلًا أدبيًا أم يقظة شخصية؟

كانت كِلا الأمرين. كتبتها وكأني أفتح نافذة على ذاتي. كل جملة فيها كانت سؤالًا أطرحه على نفسي قبل أن أقدمه للقارئ. لم تكن مجرد عمل فني، بل كانت رحلة عبور نحو منطقة أعمق في الروح.

- قلتَ ذات مرة إن القانون يجب أن يكون درعًا لا سيفًا، هل وُلد هذا الاعتقاد من تجاربك الحياتية الخاصة؟

نعم، ولِدت الفكرة من الاحتكاك بالواقع ومن رؤية القوانين تُستعمل أحيانًا لتكريس الظلم بدل رفعه. تعلّمت أن قوة القانون ليست في قسوته، بل في حمايته للضعفاء.

- في عالم مهووس بالأرقام والظهور، لماذا اخترتَ المعنى والخلود على حساب الشعبية؟

لأن الأضواء سريعة الزوال، أما الأثر فهو الذي يبقى. أريد أن تُقرأ كلماتي بعد غيابي وكأنني ما زلت أتنفس بينها.

- كثيرًا ما تكتب عن من لا صوت لهم، المستضعفين، الفقراء، المنسيين.. هل كنتَ يومًا واحدًا منهم؟

كنت قريبًا منهم إلى حد أنني شعرت بأنهم مرآتي. عشت في أماكن كان الصمت فيها لغة الفقراء، وكنت أرى في عيونهم حكايات تستحق أن تُروى.

- كثيرًا ما تظهر في كتاباتك نساء بلا معيل وضعفاء قانونيًا — ما الحقيقة الشخصية التي تقف خلف هذا الاختيار؟

لأنني رأيت نساءً كثيرات يُحاربن وحدهن. في القانون، المرأة بلا سند غالبًا تكون الحلقة الأضعف، والأدب يمنحني وسيلة لأمنحها قوة الكلمة.

- حين يدفعنا العالم لأن نصبح "عاديين"، ما الذي جعلك ترفض هذا المسار — وكيف حافظت على موقفك؟

الخوف من أن أموت قبل أن أعيش بحق واخدم الانسانية . لقد اخترت الطريق الأصعب لأنه الطريق الذي يجعلني أستحق قصتي. الثبات كان نتيجة قناعة لا تتزعزع بأن الروح خُلقت للطيران، لا للانحناء، وانني جئت لهذه الارض كي افيد اخوتي البشر واجعهم يتذوقون الفر ح في غمار الصبر الذي تتوشح به الدنيا وبالتالي افرح وأسعد معهم .

- هل الكتابة بالنسبة لك رسالة، أم نداء، أم نوع من الشفاء؟

هي كل ذلك. الكتابة رسالتي للآخرين، وندائي للعالم، وشفائي من جروح لا يراها أحد.

- عندما تكتب عن السفر، هل تستكشف العالم، أم تبحث في عوالمك الداخلية؟

كلاهما. أرحل بقدمي في الأرض وبعيني في داخلي. كل مدينة أزورها تترك في روحي أثرًا، وكل أثر يقودني إلى جزء من ذاتي كنت أجهله.

- بينما يسعى معظم الناس وراء الألقاب الوظيفية، أسستَ فكرة منصة خيرية قانونية عالمية — ما الذي جعلك تؤمن بأن العدالة يجب أن تُمنح مجانًا لا تُشترى؟

لأن العدالة حين تُباع تصبح سلعة، وحين تُمنح تصبح قيمة. لم أرد أن يقف المال بين إنسان وظلمه، فالمظلوم يحتاج العدل قبل أن يحتاج الخبز.

- غالبًا ما تمزج كتبك بين الأسطورة والتصوف والواقع — هل تأثرت بالتصوف أو بأي تقاليد روحية؟

أنا أنظر إلى العالم كرحلة حب بين الإنسان والخالق، بين الحرف والروح ، ومذهبي في كل ذلك هو الصدق والمحبة فيما قبيلتي هي الانسانية جمعاء .

- فزتَ بجوائز في مجالات متعددة، القانون، الأدب، الفكر.. أيها شعرتَ أنه انتصارك الأصدق، ولماذا؟

أصدق انتصاراتي هو كل قارئ كتب لي بأن نصًّا من نصوصي غيّر نظرته للحياة. الجوائز جميلة، لكن أن تُغيّر روحًا هو المجد الحقيقي.

- تُرجمت أعمالك إلى عدة لغات، ما الذي تعتقد أنه عالمي في كتاباتك بحيث يعبر الحدود بهذه القوة؟

الإنسانية هي اللغة التي لا تحتاج إلى ترجمة.. الألم، الأمل، الحب، الحلم… كلها مفاهيم يولد بها البشر أينما كانوا.

- ما الجملة الواحدة التي تقدمها لشباب اليوم — أولئك الذين يعانون من صراع الهوية والمعنى والغاية؟

"ابحث عن نفسك أولًا، فكل الطرق الأخرى بلا قيمة إن لم تعرف من يسيرها."

- إذا أمكن تلخيص حياتك في عنوان كتاب لم يُكتب بعد، ماذا سيكون، ولماذا؟

"الذي مشى على حافة النور"، لأنه طوال حياتي كنتُ أسير بين الممكن والمستحيل، بين الحلم والواقع، دون أن أسقط في العتمة.