الرصانة القوية عقيدة ديبلوماسية المملكة المغربية

وأنا أستمع لخطاب عاهل البلاد متمعنا في نبرته المهيبة وهو محاط بولي عهده الأمين وصنوه الرشيد، ذهب بي الزمان إلى مرحلة من عمر تدبير ملف الصحراء المغربية، تذكرت خطاب مبدع المسيرة الخضراء المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه بعبارته الشهيرة" إن الوطن غفور رحيم" مخاطبا أبناء هذا البلد التليد المغرر بهم والمحتجزين على التراب الجزائري في ظروف قاسية مكبلين بأغلال لا يعلم بها إلا الله.
فمخاطبة جلالة الملك محمد السادس لشعبه داخل البلاد وخارجها، وتوجيه جلالته نداء، لإخواننا في مخيمات تندوف، لاغتنام هذه الفرصة التاريخية، لجمع الشمل مع أهلهم، وما يتيحه الحكم الذاتي، للمساهمة في تدبير شؤونهم المحلية، وفي تنمية وطنهم، وبناء مستقبلهم، في إطار المغرب الموحد. وتأكيده بصفته ملك البلاد، أنه هو الضامن لحقوق وحريات المواطنين، و أن جميع المغاربة سواسية، لا فرق بين العائدين من مخيمات تندوف، وبين إخوانهم داخل أرض الوطن، لم يكن وليد الصدفة أو المرحلة، بل هو خطاب يمتد عمقه عمق تاريخ المملكة المغربية الشريفة، قبل أن يميز خصال ملك محبوب يحظى بالتقدير من العدو قبل الصديق، فهو ذاته الذي فتح جلالته باب المصالحة مع الماضي، وسمح للمتضررين مـما يعرف ب:"سنوات الرصاص" وماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالحديث عن تلك المرحلة ومآسيها، وأنشأ الهيئة الوطنية للإنصاف والمصالحة سنة 2003 للتعويض المادي وجبر الأضرار.
وبنفس الثبات المعهود الذي رسم به شخصية قوية لمملكته بين دول المعمور، ونفسه الذي شيد به مرحلة جديدة من المشاريع والإصلاحات، وتنزيل النموذج التنموي، وتفعيل الميثاق الوطني من أجل التنمية. وبحكمته وبصيرته المعهودتين وبهدوء الأقوياء والثقة في النفس، وبالصراحة والصدق خاطب ملك المغرب شعبه المحب، وهو الذي يدرك أن المغرب الذي يتمتع بنعمة الأمن والاستقرار، التي لا تقدر بثمن، خاصة في ظل التقلبات التي يعرفها العالم؛ مستهدف؛ لأنه دولة عريقة، تمتد لأكثر من إثني عشر قرنا، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل؛ وتتولى أمورها ملكية مواطنة، منذ أزيد من أربعة قرون، في ارتباط وتلاحم قويين بين العرش والشعب. وهو يؤمن بأن قوة الدولة بمؤسساتها، وبوحدة وتلاحم مكوناتها الوطنية. وهذا هو سلاح المغاربة للدفاع عن البلاد، في وقت الشدة والأزمات والتهديدات.
ومعلوم أن “مطامح” المملكة الرائدة بفتح صفحة جديدة، مع دول الجوار والارتقاء بالمنطقة اقتصاديا وأمنيا قد جعل الرباط بدبلوماسيتها الرصينة، تتجاهل غير ما مرة وتغض الطرف عن “الاستفزازات” و"الاتهامات" والتهديد بإحداث قطيعة دبلوماسية بين الجيران؛ والتلويح بسحب السفراء وإغلاق المجالات الجوية إلى زيادة المراقبة العسكرية في الحدود، و هو ما يزكي الاحترام الذي يحظى به المغرب من لدن المنتظم الدولي لدوره الفعال لتجنيب جر المنطقة إلى “مغامرة” غير محسوبة العواقب والنتائج ومحاربة الإرهاب والاتجار في البشر، لذا؛ فمخاطبة جلالته للأصدقاء والأشقاء ومد يده مرة أخرى للتعاون وإعرابه المستمر على حرصه على إقامة علاقات قوية، بناءة ومتوازنة، خاصة مع دول الجوار بناء على الثقة والشفافية والاحترام المتبادل، والوفاء بالالتزامات وكان فرصة للتعبير عن الروابط المتينة من الصداقة والتقدير المتبادل لأصدقائه لم تكن الأولى، حيث دعا جلالته أخاه فخامة الرئيس عبد المجيد تبون، لحوار أخوي صادق، بين المغرب والجزائر، من أجل تجاوز الخلافات، وبناء علاقات جديدة، تقوم على الثقة، وروابط الأخوة وحسن الجوار. مجددا في نفس الآن، التزامه بمواصلة العمل، من أجل إحياء الاتحاد المغاربي، على أساس الاحترام المتبادل، والتعاون والتكامل، بين دوله الخمس.
جلالة الملك، أوضح أن المغرب بعد خمسين سنة من التضحيات، بدأ، بعون الله وتوفيقه، فتحا جديدا، في مسار ترسيخ مغربية الصحراء، والطي النهائي لهذا النزاع المفتعل، في إطار حل توافقي، على أساس مبادرة الحكم الذاتي، مما يجعل من هذه المناسبة ليست فقط حدثا تاريخيا، وإنما مرحلة فاصلة، ومنعطفا حاسما، في تاريخ المغرب الحديث. فهناك ما قبل 31 أكتوبر 2025، وهناك ما بعده، وتعتبر استمرارا لثورة تلهم الأجيال المتعاقبة، بنفس روح الوطنية الحقة، للدفاع عن الوطن ومؤسساته ومقدساته وهي مناسبة لاستحضار قيم التضحية والوفاء في سبيل حرية الوطن واستقلاله.
فالمتمعن في كل خطابات جلالته لن تفوته رسائل السلم والسلام التي تحملها،والواقعية والموضوعية والإنصاف، فهي تحمل كل معاني الحب والتعاون والواقعية والصراحة والدعوة إلى العمل المتوازن جنبا إلى جنب، بقدر ما تحمل معاني القوة والعزة والتضحية والوفاء، في سبيل حرية واستقلال الوطن المعروف بسمعته ومكانته، التي لا نقاش فيها، وبشبكة علاقاته الواسعة والقوية، ويحظى بالثقة والمصداقية، على الصعيدين الجهوي والدولي، وأن قواعد التعامل تغيرت، وبأن دولنا قادرة على تدبير أمورها، واستثمار مواردها وطاقاتها، لصالح شعوبنا.
جاء الخطاب التاريخي لجلالة الملك درسا في التواضع والثقة في النفس وسمو الأخلاق والعفو عند المقدرة، والواقعية والموضوعية والإنصاف، في الوقت الذي يتعرض له المغرب، على غرار بعض دول الاتحاد المغاربي، لعملية عدوانية مقصودة. وهجمات مدروسة من طرف بعض الدول، والمنظمات المعروفة بعدائها لبلادنا. حيث أعداء الوحدة الترابية للمملكة، ينطلقون من مواقف جاهزة ومتجاوزة، أو من خلال خلق مبررات لا أساس لها من الصحة، واتهام مؤسساتنا الوطنية، بعدم احترام الحقوق والحريات، لتشويه سمعتها، ومحاولة المس بما تتميز به من هيبة ووقار، وتجنيد كل الوسائل الممكنة، الشرعية وغير الشرعية، وتوزيع الأدوار، واستعمال وسائل تأثير ضخمة ، بمحاولة توريط المغرب، في مشاكل وخلافات مع بعض الدول، والتوجه نحو تشويه صورة مؤسساتنا الأمنية، المشهود لها بالكفاءة من طرف عدد من هذه الدول نفسها وقدرتها على الدعم والتنسيق، الذي تقوم به في محيطنا الإقليمي والدولي، رغبة منها التأثير على قوتها وفعاليتها، في الحفاظ على أمن واستقرار المغرب؛ و كذا التقارير التي تجاوزت كل الحدود ، بدلا أن تدعو هذه الأيادي السوداء الملطخة بالدماء إلى دعم جهود المغرب ، في إقامة التوازن بين دول المنطقة، قدمت توصيات بعرقلة مسيرته التنموية، بدعوى أنها تخلق اختلالا بين البلدان المغاربية.
فمؤامرات أعداء الوحدة الترابية، لا تزيد المغاربة إلا إيمانا وإصرارا، على مواصلة الدفاع عن وطنهم ومصالحه ومواصلة المسار، أحب من أحب، وكره من كره، رغم انزعاج الأعداء، وحسد الحاقدين وسيبقى المغرب حرا، قويا ومؤثرا، بمؤسساته، وبوحدة وتلاحم مكوناته الوطنية، وبفضل قيم التضحية والوفاء بين الشعب والملك، في سبيل حرية الوطن واستقلاله ونمائه وازدهاره، وسيظل حريصا على إقامة علاقات قوية، بناءة ومتوازنة مع الجميع. ولن يقبل أن يتم المس بمصالحه العليا في ظل الاعتراف بالسيادة للمملكة، على الأقاليم الجنوبية الذي عرف تزايدا كبيرا، بعد قرارات القوى الاقتصادية الكبرى، كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، وروسيا وإسبانيا والاتحاد الأوروبي، الذي أدى إلى تشجيع الاستثمارات والمبادلات التجارية مع هذه الأقاليم وهو ما يؤهلها لتصبح قطبا للتنمية والاستقرار، ومحورا اقتصاديا بمحيطها الجهوي، بما في ذلك منطقة الساحل والصحراء.