الملك محمد السادس يعلن من البرلمان بداية مرحلة المحاسبة والمسؤولية الجماعية

أكتوبر 10, 2025 - 23:30
 0
الملك محمد السادس يعلن من البرلمان بداية مرحلة المحاسبة والمسؤولية الجماعية

في لحظة مفصلية من الحياة السياسية الوطنية، ألقى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، خطاباً سامياً بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأخيرة من الولاية البرلمانية الحالية. وكعادته، جاء الخطاب الملكي عميق الرؤية، غنيّ الدلالات، واضح الرسائل، موجهاً بدقة إلى مختلف الفاعلين المؤسساتيين والسياسيين والمجتمعيين.

جاء هذا الخطاب في مرحلة دقيقة، إذ تشارف الولاية التشريعية على نهايتها، مما جعله بمثابة تقييم مرحلي شامل لمسار خمس سنوات من العمل البرلماني والحكومي، ودعوة إلى تكثيف الجهود فيما تبقى من الزمن السياسي الممكن. وقد أكد جلالته أن هذه السنة ليست ختامية زمنياً فقط، بل محورية من حيث المسؤولية، داعياً جميع الفاعلين إلى أداء يرتقي إلى مستوى تطلعات الشعب وانتظاراته.

ومن بين أبرز محاور الخطاب، تأكيد جلالة الملك على أن البرلمان لا يقتصر دوره على التشريع والمراقبة، بل يمتد إلى تأطير المواطنين والتواصل معهم، في إعادة تعريف جوهرية لمكانة المؤسسة التشريعية داخل النسق الدستوري الجديد للمملكة. وفي هذا السياق، وجه جلالته نداء مباشرا للأحزاب السياسية قائلاً: ننتظر من الأحزاب أن تعمل على تأطير المواطنين، وخاصة الشباب، بما يعزز الانخراط البناء في مختلف مجالات الحياة الوطنية، ويقوي الثقة في العمل السياسي.

هذا التوجيه الملكي أعاد إلى الواجهة قضية العزوف الشبابي عن السياسة، وتراجع الثقة في مؤسسات الوساطة. ومن خلاله، منح الملك تفويضاً جديداً للأحزاب للقيام بدورها التأطيري والتكويني، بأساليب حديثة تتماشى مع حاجيات الجيل الجديد، كما أكد عليه دستور 2011. أزمة الوساطة ليست وليدة اليوم، غير أن رهان المرحلة المقبلة يتمثل في قدرة الأحزاب على مخاطبة الشباب بلغة واقعية واقتراح حلول ملموسة، بعيداً عن الخطابات الإنشائية. إنها فرصة أخيرة للأحزاب لتجدد نفسها وتستعيد ثقة المجتمع، لأن الشرعية السياسية القادمة ستُبنى على القرب والفعالية، لا على الشعارات.

ومن الرسائل الجوهرية في الخطاب، تشديد جلالة الملك على تحقيق العدالة المجالية والاجتماعية باعتبارها التزاماً استراتيجيا لا رجعة فيه. فالتنمية، كما أوضح، لا يجب أن تبقى حكراً على المدن الكبرى أو الفئات الميسورة، بل يتعين أن تشمل القرى والمناطق الجبلية والمهمشة. وبهذا المعنى، يُعد الخطاب الملكي وثيقة سياسية مرجعية تؤكد أن كرامة المواطن هي أساس كل سياسة عمومية، وأن المشاريع الكبرى تفقد معناها إن لم تُترجم إلى تحسين ملموس في حياة الناس.

واستشهد جلالته بالآية الكريمة من سورة الزلزلة: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. استشهاد نادر في هذا المقام، ذو حمولة رمزية قوية، يُذكّر بأن المحاسبة شاملة، دنيوية وأخروية، وأن المسؤولية أمام الله والتاريخ لا تقل عن تلك أمام المؤسسات والقانون. الرسالة هنا مزدوجة: أخلاقية وسياسية. أخلاقياً، لا مهرب من المحاسبة، فكل عمل محسوب صغيراً كان أم كبيرا. وسياسيا دعوة صريحة لتكريس ثقافة المساءلة، سواء تعلق الأمر بعمل الحكومة، أو البرلمان، أو مختلف المسؤولين الإداريين.

إن خطاب جلالة الملك محمد السادس في افتتاح البرلمان هذه السنة جمع بين التنبيه والتعبئة، بين التفويض والمساءلة، واضعاً الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية. إنه خطاب يفتح صفحة جديدة من زمن الفعل والمحاسبة، مغرب جديد عنوانه الإنصاف، المسؤولية، والتجديد، مغرب يرى كل “مثقال ذرة” من الخير أو الشر ويحاسب عليها.


بقلم: سمير الحاجيوي عضو المكتب السياسي للحزب المغربي الحر