بين رفض وقبول..الذكاء الاصطناعي يثير نقاشا واسعا بالشارقة الدولي للكتاب بسبب تأثيره على الإبداع الأدبي والفني

في أروقة الدورة الرابعة والأربعين لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث يجتمع أبرز الكتّاب والناشرين والمبدعين من مختلف أنحاء العالم، تبرز بوضوح ملامح التحولات العميقة التي يشهدها قطاع النشر العالمي. كل مشارك يأتي حاملاً خلاصة تجربته، عارضًا أحدث مشاريعه، ومتبادلًا الرؤى والخبرات حول مستقبل الكتاب في عصر تتسارع فيه التكنولوجيا وتتغير فيه أدوات الإنتاج والوسائط بشكل غير مسبوق.
من أبرز التحديات التي شغلت النقاش خلال فعاليات المعرض هذه السنة، دور الذكاء الاصطناعي في صناعة الكتاب، إذ باتت تقنيات الذكاء الاصطناعي قادرة على المشاركة في كل مراحل الإنتاج، من الكتابة والتحرير إلى التصميم والتسويق. ومع هذا التطور، يُطرح سؤال ثقافي ومهني معًا: هل يشكّل الذكاء الاصطناعي إضافة قيمة للإبداع الإنساني، أم أنه يعيد تعريف معنى "المؤلف" و"الناشر" ويهدد خصوصية الإبداع؟
الأصوات في المعرض تباينت، بين من يعتبر التقنية حليفًا يختصر الوقت ويحرر الطاقات الإبداعية، وبين من يخشى أن تتحول إلى قوة تحل محل الإنسان في جوهر العملية الإبداعية. الأستاذة "زينة باسل"، مديرة قسم التصميم الفني في مؤسسة كلمات، ترى أن الذكاء الاصطناعي دخل العملية الإنتاجية كمساعد تقني أكثر منه شريكًا إبداعيًا، مؤكدة أنه اختصر الكثير من الوقت في الجوانب التقنية مثل قص الصور والتحكم بالخلفيات وتنفيذ التعديلات السريعة، لكنه لم يصل بعد إلى مرحلة الإبداع الحقيقي. بالنسبة لها، تكمن قيمة التقنية في تخفيف الجهد وتسريع الإنجاز، مما يمنح المصممين وقتًا أوسع للتفكير الفني والابتكار، لكنها لا تمتلك إحساس اللون ولا عمق الفكرة، فهي تنفذ فقط ولا تلهم.
من جهة أخرى، يرى الإعلامي والناقد "غيث الحوسني" أن الذكاء الاصطناعي يمثل تحديًا إيجابيًا يعيد ترتيب مفاهيم الكتابة والتحرير في العالم العربي. ويشير إلى أن المنصات المتخصصة في التحرير الأدبي يمكنها ضبط النصوص بدقة عالية وفق الشروط اللغوية والأسلوبية، وهو ما كان ينقص عالم النشر العربي لسنوات طويلة. ويضيف "الحوسني" أن الذكاء الاصطناعي سيدفع الكاتب إلى أن يكون أكثر وعيًا ومعرفة بأدواته، مؤكّدًا أن الخطر ليس في وجود التقنية، بل في رفض فهمها.
أما بالنسبة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في التصميم، يؤكد الأستاذ "مصطفى سالم"، ممثل دار العين للنشر، أن الإبداع الحقيقي لا يزال بحاجة إلى يد ووجدان بشريين. ويشير إلى أن المصمم يقرأ النص ويشعر بروحه قبل أن يختار ألوانه أو شكله، وهو ما لا تستطيع التقنية فعله، لأن الذكاء الاصطناعي ينتج ما يُطلب منه، بينما المبدع يخلق ما لم يُتوقع منه.
وفي إطار مشابه، تقول "نجلا رعيدي"، مديرة قسم كتب الأطفال في دار هاشيت أنطوان نوفل، إن فريقها يمتلك وعياً كبيراً بتطبيقات الذكاء الاصطناعي وإمكاناتها في التصميم والتحرير وصياغة المحتوى، مؤكدة أنها تسخر هذه الأدوات لتسريع بعض العمليات التقنية، لكنها لا تُعد بديلاً عن المبدع أو عن الجهد الإنساني.
وعن سؤال حول موقفها من الكتب المكتوبة بالكامل بالذكاء الاصطناعي، شددت "نجلا رعيدي" على أن المسألة ليست رفض التقنية، بل احترام العمل الإبداعي والوضوح مع القارئ، معتبرة أن جودة المحتوى وصدق الاعتراف بمصدره هما ما يحددان قيمته.
بين رفض وقبول، وبين توخي الحذر والانفتاح، تتجسد في الشارقة الدولي للكتاب 2025 صورة جلية لصناعة الكتاب في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث يبقى الإنسان محور الإبداع، بينما تعمل التكنولوجيا كأداة تسريع ودعم، دون أن تحل محل الحس الإنساني والروح الفنية التي تميّز كل عمل أدبي وفني عن الآخر.