بين مجانية التعليم والحق فيه

يهدف هذا المقال إلى التمييز بين الحق في التعليم باعتباره مبدًأ دستورياً شاملاً، ومجانية التعليم باعتبارها آلية إنصاف اجتماعي ينبغي أن تُوجَّه أولاً إلى الطلبة المِحاض الذين لا يملكون بديلاً عن الجامعة العمومية. ففتح أبواب الماستر والدكتوراه أمام الموظفين بنسبة تصل إلى 70–80%، وفق تصريحات رسمية، يؤدي إلى الاكتظاظ ويقوض مبدأ تكافؤ الفرص. ومن هنا يستمد قرار وزارة التعليم العالي بإقرار رسوم تسجيل للموظفين مشروعيته، خاصة مع اقترانه بصيغة "التوقيت الميسر". غير أن استدامة هذا التوجه تستدعي رؤية متوازنة تشمل: رسوم معتدلة، إشراك المؤسسات المشغلة في التمويل، منح للتفوق، وحماية مجانية التعليم للطلبة المِحاض. هكذا يُصان الحق في التعليم للجميع، وتُحفظ العدالة الاجتماعية، وتبقى الجامعة العمومية وفية لرسالتها.
إن القضية ليست سجالاً بين "الحق" و"الرسوم"، بل سؤالاً جوهرياً حول العدالة في توزيع الفرص وحماية الجامعة من الإنهاك.
لقد نصّ الدستور بوضوح على الحق في التعليم، ونصّ كذلك على مبدأ تكافؤ الفرص. وبين المبدأين يلتبس الفهم أحياناً، فيُختزل الحق في التعليم في مجانية مطلقة، دون تمييز بين الطالب المحض الذي لا سند له سوى الجامعة، وبين الموظف الذي يلجها مستنداً إلى وضعية مادية ومهنية قائمة.
الحق في التعليم ومبدأ تكافؤ الفرص
الحق في التعليم مبدأ دستوري شامل، لا يقبل أي استثناء أو إقصاء. لكن المجانية ليست حقاً مطلقاً للجميع، بل إنها آلية لتحقيق العدالة الاجتماعية.
إن الطالب المحض، بما يعانيه من ضيق ذات اليد، يحتاج إلى هذه المجانية كدرع يحميه من الإقصاء. أما الموظف، فحقه في التعلم محفوظ، لكن مساواته بالطالب المحض في الاستفادة من مجانية التعليم تمثل إخلالاً بمبدإ تكافؤ الفرص.
الجامعة تحت الضغط – واقع مالي وبيداغوجي هش
الجامعة المغربية تعاني اختناقاً متزايداً:
- الاكتظاظ في المدرجات والقاعات أصبح عائقاً حقيقياً أمام جودة التكوين.
- ضعف التمويل يحدّ من قدرات البحث العلمي والتجهيزات اللوجيستية.
- الحلول الرقمية (التعليم الهجين، منصات الـ(MOOC لا تزال تحتاج إلى موارد ضخمة لم تتوفر بعد.
في ظل هذا الواقع، تصبح المجانية غير المقننة عبئاً إضافياً يفاقم هشاشة الجامعة العمومية.
الموظفون داخل الجامعة – صورة غير متوازنة
تصريحات وزير التعليم العالي تؤكد أن نسبة الموظفين في سلكي الماستر والدكتوراه تتراوح بين 70 و80%، وهو رقم مرتفع يفسر جانباً من معضلة الاكتظاظ. وهنا نسجل أهم الاختلالات:
- الطالب المحض يُلزم بالحضور ويُحاسَب على الغياب، بينما الموظف كثيراً ما يُعفى بحكم التزاماته.
- موارد الجامعة تتوزع بين من لا يملك شيئاً ومن يتقاضى راتباً شهرياً.
- الأهداف متباينة: الطالب المحض يسعى لبناء مستقبل محتمل، والموظف يعمل على تحسين وضع قائم.
لنجد أنفسنا أمام خلط يفرز تمييزاً سلبياً ضد الطالب المحض، ويقوض مبدأ تكافؤ الفرص الذي يضمنه الدستور.
القرار الوزاري – مشروعية وضرورة
من هنا لا يمكن للبيب إلا أن يسجل بأن قرار إرساء رسوم تسجيل الموظفين يجد مشروعيته في حماية مبدإ تكافؤ الفرص وصيانة الموارد الموجهة للطلبة المِحاض.
كما أن صيغة "التوقيت الميسر"، التي اقترحتها الوزارة، تمثل خطوة تنظيمية مهمة تستجيب لظروف الموظف دون أن تؤثر على مسار الطالب المحض.
من القرار إلى الحل – مسؤولية مشتركة
غير أن نجاح هذا التوجه يتطلب رؤية أوسع:
- رسوم معتدلة للموظفين تغطي التكاليف دون أن تتحول إلى عائق.
- إشراك المؤسسات المشغلة في تمويل تكوين موظفيها باعتباره استثماراً مباشراً في الكفاءات.
- منح للتفوق موجهة للموظفين الجادين حفاظاً على روح الإنصاف.
- صيانة مجانية التعليم للطلبة المِحاض باعتبارها ركناً من أركان العدالة الاجتماعية.
إن الدفاع عن مجانية التعليم لا يعني المطالبة بها للجميع بلا تمييز، بل يعني صونها للطلبة المِحاض الذين لا يملكون بديلاً عنها. أما الموظف، فحقه في التعليم مكفول، لكن مساهمته في تكاليفه واجبة من باب الإنصاف وحماية المصلحة العامة.
والقرار الوزاري لا يشكل مساساً بالحق في التعليم، بل خطوة لترشيده. ونجاحه رهين بوعي جماعي يضع المصلحة العامة فوق الحسابات الفردية، ويجعل من الجامعة فضاءً للعلم والإنصاف، لا ساحة للازدحام والتفاوت.