جرعات لعلاج الروح.. "صيدلية الشعر" تثير دهشة زوار معرض الشارقة الدولي للكتاب

نوفمبر 14, 2025 - 15:15
 0
جرعات لعلاج الروح.. "صيدلية الشعر" تثير دهشة زوار معرض الشارقة الدولي للكتاب

في جناح يغمره الضوء والدهشة داخل معرض الشارقة الدولي للكتاب، توقفت جموع من الزوّار أمام فكرة غير معتادة تمامًا، لم يشهدوا مثلها من قبل: "صيدلية الشعر". هنا، لا تُصرف الأدوية الكيميائية، بل تُقدّم القصائد على هيئة جرعات علاجية، تعبّر عن حالات إنسانية مختلفة، وتدعو الزائرين إلى الشفاء بالكلمة والجمال والمعنى.

تقف وراء هذه الفكرة الشاعرة الإنجليزية "ديبورا ألما"، المعروفة في بريطانيا بلقب "الشاعرة الإسعافية"، بعد أن أمضت سنوات طويلة في أقسام الطوارئ تعالج المرضى وكبار السن. ومع مرور الوقت، اكتشفت "ألما" أن الشعر قادر على تضميد الجراح، ليس الجسدية فحسب، بل النفسية والعاطفية أيضًا، وأن للكلمة قوة علاجية يمكن أن تعيد للروح توازنها.

بدأت تجربة "صيدلية الشعر" عام 2011، حين اشترت "ديبورا" سيارة إسعاف قديمة تعود لسبعينيات القرن الماضي، وحوّلتها إلى مشروع إنساني متنقّل. جابت به المدن البريطانية والمهرجانات والمدارس والمكتبات، حاملة معها قصائد موضوعة في قوارير تشبه علب الدواء، تقدمها لكل من يحتاج إلى "علاج بالكلمات" بحسب حالته المزاجية والنفسية. وقدمت في كل علبة وصفة شعرية مختلفة، من قصائد تهدئ القلق، إلى نصوص تحفّز الإبداع، وأخرى تمنح شعورًا بالطمأنينة والأمل.

في جناحها بالشارقة، تصطف العلب على رفوف صغيرة، تحمل أسماء جذابة مثل: "شرارة الإبداع"، "دواء الأرض"، "طاقة البهجة"، "مساحة الأمان"، "رسائل من القلب" و"رحلة اكتشاف الذات".. وعند فتح أي علبة، يجد الزائر قصيدة مختارة بعناية من مختلف العصور والثقافات واللغات، تتنوع بين الحكمة والحب والإلهام الذاتي، في لحظة يختلط فيها الضحك بالدهشة، أو بالتصوير الرمزي، وكأن كل شخص يوثق رحلة شفاء صغيرة يختبرها بالكلمة.

تقول "ديبورا ألما": "الشعر يمكنه أن يغيّر المزاج، ويفتح نوافذ للأمل في أصعب اللحظات. الكلمات حين تُقدَّم بروح محبة، تصبح علاجًا نفسيًا، ووسيلة للحفاظ على التوازن الداخلي، تمامًا كما يفعل الدواء للجسد".

تجربة "صيدلية الشعر" تحمل في جوهرها رسالة إنسانية واضحة: الأدب ليس مجرد ترف فكري، بل حاجة وجودية. وفي زمن يزدحم بالضجيج والضغوط، تقدّم "ديبورا" نموذجًا حيًا لما يمكن أن تفعله القصيدة حين تُقدّم مباشرة إلى الإنسان، لتجلس إلى جواره، وتمنحه مساحة للتأمل، للتعافي، ولإعادة اكتشاف ذاته.

وفي معرض الشارقة الدولي للكتاب، بدا هذا المشروع وكأنه وجد مكانه الطبيعي تمامًا، حيث تتلاقى الكلمة بالإنسان، والكتاب بالعلاج، والخيال بالفعل الإنساني الأجمل، مؤكداً أن الأدب لا يقتصر على القراءة، بل يمتد ليصبح جزءًا من حياة الإنسان اليومية، ومن رحلته نحو السلام الداخلي.