شروع المغرب في تحيين مبادرة الحكم الذاتي.. هل ستكون الأحزاب المغربية أهلا للمسؤولية؟

في خطابه السامي الموجه إلى الأمة مساء يوم الجمعة 31 أكتوبر 2025 مباشرة بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797، القاضي بمنح "الصحراء الغربية" حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية، باعتباره الحل الأمثل والموضوعي لحل النزاع المفتعل في إقليم الصحراء، بعد تصويت 11 دولة من أصل 15 دولة لفائدته، امتناع ثلاث دول: روسيا والصين وباكستان، فيما لم تشارك الجزائر رغم كونها طرفا رئيسيا في الصراع القائم على مدى خمسة عقود، أكد الملك محمد السادس أن ما بعد 31 أكتوبر 2025 لن يكون مثل ما قبله، لذلك دعا قادة الأحزاب السياسية الوطنية الممثلة بمجلسي البرلمان إلى حضور الاجتماع التشاوري، الذي تقرر عقده يوم الاثنين 10 نونبر 2025 حول تفصيل وتحيين مبادرة الحكم الذاتي في إقليم الصحراء، تحت رئاسة مستشاريه: الطيب الفاسي الفهري، عمر عزيمان وفؤاد عالي الهمة، بحضور كل من وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت وناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وذلك بهدف بلورة تصوراتهم ومقترحاتهم فيما يتعلق بمقترح "الحكم الذاتي" الذي يحفظ للمغرب سيادته على الصحراء وفقا للشرعية الدولية.
فما كان من الأحزاب إلا التعبير عن تأييدها المطلق للمبادرات والجهود الملكية للدفاع عن الحقوق المشروعة للبلاد وترسيخ مغربية الصحراء، والإعلان عن انخراطها الكامل في مسار طرح مقترحاتها وتصوراتها بشأن خطة الحكم الذاتي، التي كرسها القرار الأممي كأساس تفاوضي لحل النزاع الإقليمي المفتعل. حيث اعتبرت أن هذه الخطوة تجسد تعبيرا صادقا عن الإجماع الوطني الثابت، منوهة بحرص الملك الدائم على اعتماد مقاربة تشاركية وتشاورية في هذا الملف. وتتطلع إلى جعل هذه المرحلة التاريخية الجديدة فرصة لبث نفس ديمقراطي، والعمل على تفعيل الجهوية المتقدمة، فضلا عن النهوض بالاقتصاد الوطني في اتجاه خلق الثروة ورفع معدل النمو وتوفير مناصب الشغل للعاطلين، تحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية والمجالية والتوزيع العادل للخيرات بجميع الجهات.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنها ليست المرة الأولى التي يقدم فيها جلالته على إشراك مختلف الفعاليات الوطنية وقادة الأحزاب في تقديم تصوراتهم واقتراحاتهم حول موضوع الحكم الذاتي، بل هي ممارسة سياسية راقية وأسلوب حكم دأب عليه منذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الوطنية الكبرى ذات الأبعاد الاستراتيجية أو المصيرية، ونذكر منها على سبيل المثال: توجيه الطلب للأحزاب والمنظمات الحقوقية وغيرها تقديم مقترحاتها من أجل صياغة دستور 2011، تكوين لجنة موسعة لصياغة نموذج تنموي جديد، وأخرى عندما قرر تعديل مدونة الأسرة...
فعودة الملك في أقل من أسبوعين من صدور القرار الأممي 2797 الذي يدعو إلى التفاوض بناء على مضامينه لحل نزاع الصحراء، إلى استشارة زعماء الهيئات السياسية حول مبادرة الحكم الذاتي في ظل متغيرات إقليمية ودولية تعيد رسم موازين التفاعل معها، لاسيما أنه سبق للمغرب اقتراحها في 11 أبريل 2007، ولم يتم تبنيها من قبل مجلس الأمن الدولي إلا في 31 أكتوبر 2025، تعكس بجلاء رؤيته المتبصرة والقائمة على المقاربة التشاركية في معالجة مثل هذه القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني والدولي...
وفي انتظار تشكيل لجان من الأطر الحزبية ذات الكفاءة والتخصص في القانون الدستوري والإداري وغيرها، وانكباب الأحزاب على دراسة تصوراتها وطرحها بين يدي الملك الكريمتين في قادم الأيام، وأن تتم مناقشتها بما تستحقه من جدية للخروج بصياغة مفصلة ونهائية للنسخة الثانية من مقترح الحكم الذاتي قبل رفعها إلى المنتظم الأممي، والتي يتوقع محللون سياسيون كثر بأن تأتي شبيهة بنموذج الحكم الذاتي في إسبانيا، فإن هناك عديد الخبراء في القانون الدولي والحقوقيين، يرون بأنه لا ينبغي للنسخة الثانية أن تتجاوز السقف المحدد في النسخة الأولى، التي وضعت للمفاوضات إطارا واسعا بخصوص الحكم الذاتي في إقليم الصحراء، مع التشديد على ضرورة الاحتفاظ للدولة المغربية بالاختصاصات والسلطات السيادية...
إن تنزيل خطة الحكم الذاتي بالشكل الذي يريده له العاهل المغربي يتطلب من الفاعل الحزبي العمل على بحث السبل الكفيلة بابتكار تصورات إيجابية والتعرف عن الحاجيات الضرورية للمواطن الصحراوي، ومن ثم الانخراط في هذا المشروع الوطني الكبير بما يساهم في تشجيع تلك المغرر بهم أو المحتجزين في مخيمات الذل بتندوف، على العودة سريعا إلى أرض الوطن، خاصة أن الملك محمد السادس دعاهم في خطاب 31 أكتوبر 2025 إلى اغتنام هذه الفرصة التاريخية من أجل جمع الشمل مع أهلهم والمساهمة في تنمية وطنهم، متعهدا بحسن استقبالهم ومعاملتهم على قدم المساواة مع أشقائهم في مختلف جهات المملكة...
نحن اليوم وبعد صدور القرار الأممي 2797 الذي سبق أن تم تأييد فحواه من قبل عدة دول عبر العالم، ومن ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة ومجموعة أخرى من الدول العربية والإفريقية، أشد ما نكون بحاجة إلى أن يتم طي ملف الصحراء بشكل دائم وهادئ.
وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن بلوغ الهدف المأمول يستدعي تعبئة وطنية ومشاركة الفاعل الحزبي، الذي ينبغي أن يتحمل مسؤوليته السياسية والتاريخية، والإسهام في توحيد الجبهة الداخلية وتعزيز الإجماع الوطني، ولاسيما أن المؤسسة الملكية تراهن على انخراط جميع مكونات المجتمع المغربي في بلورة النسخة الثانية والنهائية للحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية.