ضدا على إرادة الملك والشعب.. أحزاب تتفق على إعادة إنتاج مشهد سياسي بائس يحكمه الأعيان و "مول الشكارة"

في وقت يشهد فيه النقاش السياسي مطالب متزايدة لتجويد المشهد البرلماني وضمان حضور حقيقي للكفاءات والأطر الشابة، أكدت تقارير خاصة أن المذكرات التي وجهتها الأحزاب السياسية إلى وزارة الداخلية، في إطار مراجعة منظومة الانتخابات التشريعية المقبلة، سجلت غيابا لافتا لأي إشارة إلى ضرورة اعتماد المستوى التعليمي (باك على الأقل) كشرط لتزكية المرشحين.
جاء ذلك، ضدا على حملة واسعة أطلقها نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، طالبوا من خلالها بضرورة فرض شرط الباكالوريا على المرشحين، بهدف تجويد المشهد السياسي، والقطع مع أساليب بائدة تعتمد على الولاءات والثراء أو النفوذ بدل الكفاءة، وضمان تمثيل حقيقي للمجتمع في البرلمان. ورغم هذا الحراك، تواصل معظم الأحزاب تجاهل هذا المطلب، وكأنها ترفض الاستماع للمواطنين، مفضلة التمسك بتكرار نفس الوجوه، ولو على حساب جودة العمل التشريعي.
وبحسب متابعين للموضوع، فإن تجاهل معيار المستوى التعليمي، ليس أمراً عابراً، بل يعكس إصرارا واضحا لدى جل الأحزاب السياسية في نهج منطق الولاءات الضيقة ومصالح الأعيان و"مول الشكارة"، على حساب الكفاءة والمسؤولية الوطنية.
النائبة البرلمانية السابقة "غيثة بدرون" عن حزب "الجرار"، شددت عبر تدوينة نشرتها على حسابها الفيسبوكي، على أن فرض شرط الباكالوريا أصبح ضرورة ملحة، مشيرة إلى أنه انطلاقا من تجربتها السابقة، عاينت كيف أن العديد من اللجان البرلمانية تظل شبه فارغة، فيما يضطر بعض النواب لتحمل مهام زملائهم بسبب ضعف الكفاءة أو الأمية.
وأضافت "بدرون" أن الحد الأقصى للولايات (ولايتين أو ثلاث) كافٍ لتجديد الدماء داخل البرلمان، لكن الأحزاب تمارس نفس السياسة القديمة، محافظة على "الديناصورات السياسية" التي تعرقل أي عملية تجديد حقيقية.
في سياق متصل، يرى عدد من النشطاء أن غياب أي قرار جريء من الأحزاب يعكس تجاهلاً صارخاً لتوجيهات ملك البلاد، الذي شدد في أكثر من مناسبة على ضرورة اختيار نخب سياسية حقيقية قادرة على قيادة الإصلاحات والمساهمة الفعلية في النقاش البرلماني، مشددين على أن الأحزاب، بدل أن تكون قوة اقتراحية ومسؤولة، تبدو وكأنها مستمرة في البحث عن المكاسب الانتخابية السهلة، متناسية مطالب الشباب والكفاءات، ومتجنبة أي مخاطرة تضمن تجديد البرلمان.
وفي ظل هذا الجمود المستمر، يطرح المتابعون سؤالاً حاداً: هل ستستمر الأحزاب في تزكية نفس الوجوه، مفضلة المصالح الشخصية على حساب الكفاءات، أم ستتحمل مسؤولياتها أمام الدولة والمجتمع وتفتح الباب أمام برلمان قادر على الإصلاح وإحداث الفرق؟
إن استمرار الوضع الحالي لا يمثل فقط تهديداً لمصداقية البرلمان، بل يعكس ثقافة سياسية متكلسة، ترفض الانصياع لمطالب المجتمع المدني وتتمسك بأساليب أثبت الزمن فشلها في تحقيق أي تقدم ملموس. الشعب المغربي، الذي عبّر عن مطالبه عبر الحراك الرقمي، يستحق أن يرى برلماناً فعلياً يمثل الكفاءات، لا مجرد واجهات انتخابية لنفس الوجوه.