يقظة المغاربة ووعيهم العالي تحول مخططا تخريبيا إلى لحمة وطنية أبهرت العالم من جديد

أكتوبر 3, 2025 - 21:40
 0
يقظة المغاربة ووعيهم العالي تحول مخططا تخريبيا إلى لحمة وطنية أبهرت العالم من جديد

شيئاً فشيئاً، لم تعد الصورة غامضة أمام أعين المغاربة كما كانت قبل أيام قليلة مضت، سيما بعد أن افتضحت خيوط المؤامرة التي كانت الجزائر تخطط لها منذ البداية، ألا وهي استغلال المطالب الاجتماعية العادلة التي عبّر عنها شباب "جيل زاد" وتحويلها إلى شرارة فوضى تهدد استقرار المغرب. 

لقد راهنت دوائر القرار في الجارة الشرقية على أن الاحتجاجات ستنزلق سريعاً إلى مواجهات دامية مع قوات الأمن، وأن الشارع المغربي سيكون وقوداً لحرب استنزاف داخلية، لكن ما لم تحسب له الجزائر حساباً هو ارتفاع منسوب وعي المغاربة الذين أدركوا النوايا الحقيقية لهذا المخطط وقرّروا مواجهته بالسلمية والوحدة الوطنية.

في المدن التي شهدت أكبر التجمعات، ظهرت محاولات عديدة ومتكررة لجرّ المحتجين إلى مواجهات مباشرة مع قوات الأمن، عبر التحريض على العنف واستغلال بعض أحداث الشغب المعزولة. تقارير إعلامية دولية أكدت أن الحركة الاحتجاجية "جيل زاد" استندت إلى فضاءات رقمية مثل "تيكتوك" و"إنستغرام" و"ديسكورد" لتعبئة الشباب وتنسيق الاحتجاجات، لكن في الوقت نفسه تسللت إلى هذه المنصات محاولات خارجية لدفع الخطاب نحو التطرف والعنف. ما عزّز هذه الشكوك هو الخطاب المتكرر في بعض وسائل الإعلام الجزائرية، التي حاولت تصوير الأحداث وكأنها "انتفاضة شاملة ستقلب النظام"، في إسقاط مباشر لمعادلاتها الداخلية على الوضع المغربي.

المغاربة، وعلى عكس ما راهنت عليه هذه الجهات، أظهروا نضجاً لافتاً في الحفاظ على سلمية تحركاتهم رغم بعض الانزلاقات، وهو ما تجلّى في مشاهد توزيع الورود على رجال الأمن وتبادل التحايا معهم، في رسالة صريحة أن الاحتجاج ليس موجهًا ضد الدولة بل ضد السياسات العمومية التي تتطلب إصلاحاً عاجلاً.

 حتى داخل الحركة الاحتجاجية نفسها، برزت أصوات تحذّر من الانسياق وراء دعوات مجهولة المصدر كانت تُضَخ بكثافة في المنصات الرقمية، معتبرة أن الانجرار وراء العنف سيكون خدمة مجانية للمخطط الجزائري. وبالتوازي، أجمعت القوى الوطنية، من أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية، على أن الحوار والإصلاح هما السبيل الأوحد لمعالجة أزمات التعليم والصحة والتشغيل، وأن حماية السلم الاجتماعي أولوية لا يمكن المساومة عليها.

يبقى المغرب استثناءً فريداً في اللحمة الوطنية والتعلق بالوطن والملك، كما أظهرت أحداث عدة عبر السنوات. من تضامن المغاربة بعد زلزال الحوز، إلى جهود إنقاذ الطفل ريان التي شارك فيها الملك والشعب والمؤسسات، وصولاً إلى استقبال المنتخب الوطني بعد مونديال قطر وخروج الملك إلى الشارع تأكيداً على الوحدة الوطنية، وأيام جائحة كورونا التي شهدت تلاحماً غير مسبوق خلف الملك، كل هذه الأمثلة تؤكد أن المغاربة يمتلكون وعيًا عميقًا وصلابة في صفوفهم، وأن أي محاولة لزرع الفتنة بين الشعب والملك مصيرها الفشل.

لقد كشفت الأيام الأخيرة أن الجزائر، التي سخّرت إعلامها وذبابها الإلكتروني لتأجيج الأوضاع، فوجئت بمستوى الوعي المغربي. فالمواطنون الذين خرجوا إلى الشارع لم يسمحوا بأن تُختطف مطالبهم، بل رفعوا سقف اليقظة الجماعية إلى درجة أجهضت المخطط في مهده. وهنا يكمن جوهر المفارقة: الاحتجاج الذي أرادته الجزائر مدخلاً لإشعال نار الفتنة، تحوّل إلى مناسبة عززت التلاحم بين الدولة والمجتمع، ورسّخت قناعة قوية وثابتة بأن الاستقرار خط أحمر، وأن الوحدة بين الملك والشعب فوق أي حسابات خارجية.

إن ما جرى لم يكن مجرد احتجاج اجتماعي عابر، بل محطة سياسية كبرى كشفت وجهين متناقضين: وجه خارجي أراد استنساخ سيناريوهات الفوضى في المغرب، ووجه داخلي صلب جسّد وعياً وطنياً جماعياً قادراً على إفشال أعتى المخططات، مؤكداً أن المغرب سيظل دائماً استثناءً في اللحمة الوطنية وواحداً في صفوفه خلف ملكه للدفاع عن أمنه واستقراره.