إسبانيا تصدم الجزائر بصفعة اقتصادية جديدة.. وقّعت على تحالف جديد سيغيّر موازين الطاقة في البحر الأبيض المتوسط

في خطوة مفاجئة حملت أبعادًا اقتصادية وجيوسياسية عميقة، وجّهت إسبانيا قبل يومين، صفعة جديدة للجزائر بعدما وقّعت اتفاقًا استراتيجيًا مع سلطنة عُمان لتوريد الغاز الطبيعي المسال لمدة عشر سنوات، ابتداءً من عام 2030، في صفقة تُعيد رسم خريطة الطاقة في حوض البحر الأبيض المتوسط وتمنح مسقط موطئ قدم متقدمًا في السوق الأوروبية.
وتندرج هذه الصفقة، التي كشفت تفاصيلها منصة الطاقة المتخصصة، ضمن حزمة من أربع مذكرات تفاهم وُقّعت خلال زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى مدريد، شملت مجالات الميثانول الأخضر والغاز المسال وإدارة المياه والتعاون الاقتصادي.
ذات المصدر أشار إلى أنه بموجب هذا الاتفاق، ستزود الشركة العمانية للغاز المسال نظيرتها الإسبانية بما يصل إلى مليون طن من الغاز المسال سنويًا على مدى عقد كامل ابتداءً من عام 2030، مع دراسة فرص الاستثمار المشترك في بناء سفينة مخصصة لنقل الغاز بالتعاون مع شركة أسياد للنقل البحري.
كما تشمل الصفقة التعاون في تطوير الوصول إلى محطات إعادة الغاز الأوروبية وشبكات الأنابيب المرتبطة بها، في خطوة تعزز الحضور العُماني في السوق الأوروبية التي باتت تبحث عن شركاء موثوقين لتأمين احتياجاتها الطاقية على المدى الطويل.
وتأتي هذه الصفقة في سياق أوروبي متسارع نحو تنويع مصادر الطاقة بعيدًا عن الاعتماد المفرط على موردين تقليديين، وفي مقدمتهم الجزائر، التي فقدت تدريجيًا موقعها المميز في السوق الإسبانية بسبب التوترات السياسية التي طبعت العلاقات بين البلدين منذ عام 2022. فمدريد، التي ظلت لعقود تعتمد على الغاز الجزائري القادم عبر أنبوب "ميدغاز"، تسعى اليوم بوضوح إلى توسيع قاعدة مورديها من خلال شراكات استراتيجية مع دول مستقرة وذات مصداقية عالية، مثل سلطنة عمان، التي تتمتع بعلاقات متوازنة وسياسة خارجية مرنة تعزز ثقة شركائها.
كما يُنظر إلى هذا الاتفاق بين مسقط ومدريد على أنه ضربة موجعة للجزائر، التي كانت تراهن على استمرار تبعية السوق الإسبانية لغازها الطبيعي، قبل أن يستفيق القادة الجزائريون على وقع صدمة جديدة تفرض عليهم إعادة حساباتهم الطاقية، بعدما بدأت الدول الأوروبية، تباعًا، في البحث عن بدائل أكثر استقرارًا وأقل حساسية تجاه التقلبات السياسية. فالغاز لم يعد مجرد سلعة استراتيجية، بل أصبح ورقة نفوذ تُمنح لمن يملك القدرة على ضمان الاستدامة والشفافية والوفاء بالالتزامات الدولية، وهي معايير تميّز السياسة العُمانية في هذا المجال.
وفي الوقت نفسه، تكشف مذكرات التفاهم الأخرى، خاصة تلك المتعلقة بإنتاج وتزويد السفن بالميثانول الأخضر في محافظة ظفار، عن طموح سلطنة عمان في التحول إلى مركز إقليمي للطاقة النظيفة وتموين السفن بالوقود منخفض الكربون، انسجامًا مع رؤيتها لتحقيق الحياد الكربوني. فبينما تنشغل بعض الدول بتقلبات أسواق النفط وأسعار الغاز، تتحرك مسقط بخطى ثابتة نحو مستقبل طاقي متكامل يجمع بين الغاز التقليدي والطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.
وعموما، يرى عدد من المراقبين أن توقيع هذه الصفقة مع إسبانيا لا يمثل مجرد اتفاق اقتصادي، بل هو مؤشر على تشكل تحالف جديد بين أوروبا والخليج يقوم على الثقة والاستدامة والمصالح المشتركة. فبينما تتراجع بعض القوى التقليدية بسبب رهاناتها السياسية الخاطئة، تبرز عمان كفاعل متزن يجمع بين الكفاءة والاستقرار والقدرة على استشراف التحولات العالمية في سوق الطاقة.
لاجل ذلك، فإن الصفقة العُمانية الإسبانية يمكن قراءتها بوصفها إعلانًا عن نهاية مرحلة الهيمنة الأحادية لمورّدين تقليديين، وبداية عهد جديد تُبنى فيه الشراكات على أساس الثقة والالتزام والمصالح المتبادلة، لا على منطق التهديد والابتزاز الذي أنهك علاقات الجزائر مع جيرانها الأوروبيين.