تقرير استقصائي يكشف مصير مرتزقة البوليساريو في سوريا بعد سقوط الأسد

كشفت الصحافية الهولندية رينا نيتجيس في تقرير استقصائي مثير أن المئات من عناصر جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر وجدوا أنفسهم في وضع حرج عقب سقوط نظام بشار الأسد، حيث فر العديد منهم إلى لبنان، فيما ألقت السلطات السورية الجديدة القبض على آخرين وأحالتهم على التحقيق والمحاكمة.
وأكد التقرير الذي جاء تحت عنوان “البوليساريو في سوريا: كيف يعقد المقاتلون الأجانب مسار العدالة الانتقالية”، أن هؤلاء المرتزقة شاركوا بشكل مباشر في الحملة الدموية التي شنها النظام السوري ضد شعبه والمعارضين المطالبين بالديمقراطية، إلى جانب قوات الأسد والميليشيات التابعة لإيران.
وأبرز التقرير أن إيران عملت منذ اندلاع الأزمة السورية على استقدام جماعات مسلحة متعددة من دول مختلفة لخدمة أجندتها في المنطقة، من بينها حزب الله اللبناني وحماس والحوثيون وفصائل عراقية وأفغانية وباكستانية، إضافة إلى جبهة البوليساريو التي تلقت تدريبات على يد حزب الله.
وظهرت خلال السنوات الأخيرة وثائق وصور تؤكد مشاركة مقاتلي البوليساريو في المعارك داخل الأراضي السورية، وهو ما زكته تقارير إعلامية غربية أبرزها ما نشرته صحيفة واشنطن بوست، وكذا تقرير لدويتشه فيله العربية الذي عرض صورا نادرة لهؤلاء المقاتلين داخل سوريا، يؤكد التقرير.
وأشار التقرير إلى أن الرباط كانت قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع طهران سنة 2018 بعد ثبوت تورط إيران عبر حزب الله في تقديم دعم عسكري مباشر للانفصاليين، وهو ما زاد من توتر العلاقات المغربية الإيرانية وأكد من جديد خطورة الارتباط بين البوليساريو والجماعات الإرهابية العابرة للحدود.
وأكدت مصادر سورية معارضة أن النظام البعثي في دمشق لم يتوقف عبر عقود عن دعم الحركات الانفصالية لابتزاز الدول، حيث ساند حافظ وبشار الأسد حزب العمال الكردستاني ضد تركيا، والحوثيين ضد السعودية، وقوات حفتر ضد حكومة طرابلس، كما قدما دعما مباشرا لجبهة البوليساريو ضد المغرب.
وتضمن التقرير تأكيدات بأن السلطات السورية الجديدة تسلمت من العراق جنرالات وضباطا فارين، حيث أكدت حكومة دمشق الجديدة عزمها محاكمة عناصر من الجيش الجزائري ومئات المقاتلين من البوليساريو الذين كانوا ينشطون على الأراضي السورية.
وكان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف قد زار دمشق في فبراير الماضي مطالبا بالإفراج عن عسكريين جزائريين ومقاتلين من البوليساريو، غير أن الرئيس السوري أحمد الشرع رفض الاستجابة للطلب، معلنا أن هؤلاء سيقدّمون إلى القضاء بتهم تتعلق بالقتال إلى جانب نظام الأسد في جرائم ترقى إلى مستوى جرائم حرب.
وشدد التقرير الهولندي على أن وجود مقاتلي البوليساريو في سوريا لم يكن مجرد مشاركة عابرة، بل جزء من استراتيجية إيرانية أوسع لتوسيع نفوذها في المشرق وتأمين ممر بري نحو المتوسط، وهو ما جعل من هؤلاء المرتزقة ورقة ضغط جديدة تعقد مسار العدالة الانتقالية في سوريا وتفتح الباب أمام ملاحقات دولية.
وفي السياق نفسه، يواصل الكونغرس الأمريكي مناقشة مشروع قانون يصنف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية أجنبية، الأمر الذي من شأنه أن يقيد تحركات قادتها، ويجمد أرصدتهم في البنوك الدولية، ويمنع أنشطتهم، ويعرض كل جهة تدعمهم لعقوبات اقتصادية وجنائية صارمة.
وبهذا، يتضح أن جبهة البوليساريو التي طالما قدمت نفسها كحركة انفصالية ذات طابع سياسي، أضحت اليوم متورطة في ملفات الإرهاب الدولي والحروب بالوكالة، وهو ما يعيد النقاش الدولي حول طبيعتها الحقيقية ويضع الجزائر، الداعم الرئيسي لها، في موقع المساءلة أمام الرأي العام العالمي.