خيانة وغدر بعد سنوات من الكذب.. الجزائر تدير ظهرها للبوليساريو وتبيع فلسطين في المزاد وتهرول نحو التطبيع مع اسرائيل

لم تكن التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطّاف مجرّد رسائل عابرة في ندوة صحافية عادية، بل كانت زلزالاً سياسياً مكتمل الأركان كشف تهاوي خطابٍ كان نظام العسكر يرفعه منذ عقود: خطاب "النيف"، و"المبادئ"، و"الدفاع عن المظلومين". فجأة، وبدون مقدمات، ظهر وزير الخارجية الجزائري وهو يعلن مواقف تتطابق بالحرف مع ما تقوله وتتبناه دول سخر الكابرانات كل إمكانياته لمهاجمتها صباح مساء، بل الأخطر من ذلك… أن الجزائر صوّتت لصالح مشروع قرار أمريكي يفرض وصاية دولية على غزة.
طوال السنوات الماضية، ظل النظام الجزائري يتغنى بأنه "آخر قلاع الصمود العربي"، وأنه "مع فلسطين ظالمة أو مظلومة". لكن ما حدث في الأمم المتحدة أسقط القناع تماماً. تصويت الكابرانات لصالح قرار أمريكي يمهّد لوصاية عسكرية وسياسية على غزة، إشارة واضحة من هذا النظام المارق أنه يتماهى مع خطاب واشنطن الذي كان يصمه بالنفاق والخيانة، متجاهلاً مناشدات فصائل المقاومة الفلسطينية التي استجدت الجزائر ألا تنحاز للقرار.
الصدمة الكبرى أنّ الصين وروسيا امتنعتا عن التصويت على هذا القرار، بينما الجزائر ذهبت طائعة نحو قرار كانت قبل أسابيع قليلة مضت تسميه "خيانة". لقد باع كابرانات الجزائر ورقة فلسطين بعدما استنزفوا بها شعور الشعب الجزائري مدة نصف قرن.
وفي الوقت نفسه، أدار النظام الجزائري ظهره للبوليساريو. وفي اللحظة التي كان فيها الوهم يخيّم على مخيمات تندوف بأن الجزائر لن تخذلهم، خرج عطّاف ليقترح "وساطة بين المغرب والبوليساريو". وساطة؟ بين من ومن؟ العالم كله يعلم أن الجزائر هي الطرف الحقيقي في هذا النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، هي من سلّح ومَوّل واحتضن واستثمر في البوليساريو. فإذا بالوزير، وعلى مرأى العالم، يخاطبهم بما يفيد أنّ الجزائر ليست طرفاً، وأنها "مجرد وسيط". هذا التصريح وحده كافٍ ليُسقط ورقة التوت عن مشروع انفصالي ظلّ النظام يصرف عليه ملايير الدولارات من قوت الجزائريين، ويكشف زيف خطاب الثورة والانتصار المزيف الذي روج له طوال عقود.
أما اليوم، فكل المؤشرات تؤكد أن الجزائر تخلّت عن ورقة فلسطين، تخلّت عن ورقة البوليساريو، وتخلّت عملياً عن خطابها الثوري القديم، وبات الطريق نحو التطبيع مع إسرائيل مفتوحاً على مصراعيه. التصويت لصالح مشروع أمريكي حول غزة، التخلّي عن البوليساريو، وتغيير النبرة تجاه إسرائيل في بيانات الخارجية، كلّها إشارات واضحة إلى أن الجزائر تتهيّأ للحظة التطبيع العلني، بعدما دخلته سراً في تنسيق أمني غير معلن منذ سنوات.
النظام الذي شتم المغرب لأنه طبّع واتهم الإمارات ومصر بالخيانة وشيطن العالم العربي، ها هو اليوم يسير بخطى ثابتة نحو نفس الباب، الباب الذي طرقته كل الدول بوضوح، وأصبحت الجزائر اليوم تطرقه بخجل قبل أن تُفتح الستارة قريباً ويُعلن ذلك بلا مواربة.
ما جرى خلال هذه الفترة يكفي ليكتب نهاية فصل كامل من تاريخ النظام الجزائري. نظام باع فلسطين بعد نصف قرن من الشعارات، وأدار ظهره للبوليساريو بعدما استعملهم واستنفد غرضهم، وتهيّأ للتطبيع بعدما كان يصفه بالخيانة العظمى. إنه سقوط الأقنعة، سقوط الخطاب، سقوط الوهم، والشعوب مهما طال الزمن لن تُخدع إلى ما لا نهاية.