هانوفر .. مركز الجالية السودانية وقلبها النابض في ألمانيا

سبتمبر 14, 2025 - 17:20
 0
هانوفر .. مركز الجالية السودانية وقلبها النابض في ألمانيا

رغم غياب إحصائيات رسمية دقيقة حول عدد السودانيين المقيمين في  مدينة هانوفر أو في ولاية ساكسونيا السفلى عموما، إلا أن ملاحظاتي الشخصية خلال زيارة المدينة كشفت عن حضور سوداني كثيف وملحوظ في الحياة اليومية.

فقد لاحظت تواجد السودانيين في مختلف الأماكن العامة، من الشوارع والأسواق إلى المتاجر الكبرى، بشكل يعكس اندماجًا فعّالًا للجالية في النسيج الاجتماعي المحلي. هذا الحضور اللافت لا يقتصر على الجانب العددي، بل يمتد إلى المشاركة النشطة في الحياة الاقتصادية والثقافية، مما يُعزز الانطباع بأن هانوفر تُعد بالفعل أكبر مركز لتجمع الجالية السودانية في ألمانيا.

التاريخ والعلاقات الثنائية

في سبعينات القرن الماضي، شهدت العلاقات بين ألمانيا الغربية والسودان تحولًا نوعيًا في مسار التعاون التنموي، خاصة في أعقاب تولي الرئيس جعفر النميري السلطة. فقد اتجهت ألمانيا إلى تعزيز شراكتها مع السودان عبر دعم مشاريع استراتيجية في قطاعات حيوية، شملت تطويرشبكة السكك الحديدية ، وتمويل مشاريع لمعالجة الغاز وتوسيع قدرات إنتاج الكهرباء.

كما لعبت الوكالة الألمانية للتعاون الفني (GTZ)، التي تأسست عام 1975، دورًا محوريًا في دعم برامج الصحة العامة، التدريب المهني، الزراعة ورعاية اللاجئين. ورغم التحديات السياسية والاقتصادية التي واجهها السودان آنذاك، أسهم هذا التعاون في دفع عجلة التنمية وتعزيز العلاقات الثنائية، مما ترك أثرًا ملموسًا في مسار بناء الدولة السودانية الحديثة.

منى السماني، هي صاحبة متجر "بنت بلدي" بهانوفر، وتنتمي إلى واحدة من أقدم الأسر السودانية المقيمة في ألمانيا منذ أكثر من عشرين عاماً. وقالت منى لـDW: "مدينة هانوفر تضم عدداً كبيراً من السودانيين، وهي تُعد من  أهم المدن التي تستقبل اللاجئين في ولاية ساكسونيا السفلى".

وأوضحت منى أنه "في هانوفر يوجد أكبر معسكرات الاستقبال الأولي التي يُوجَّه إليها السودانيون فور وصولهم إلى ألمانيا. ولهذا فإنّ التواجد السوداني كبير في المدينة". بل وحتي السودانيين في المناطق الأخرى، بعد إكمال أوراق لجوءهم يأتون إلى هانوفر.

وقال عابدين عبد الواحد، أحد المواطنين السودانيين المقيمين في مدينة هانوفر، عاصمة ساكسونيا السفلى، منذ عام 1993  لـDW: "تُعد هانوفر وجهة مفضلة للسودانيين في ألمانيا، ليس فقط لأنها تضم أكبر معسكرات استقبال اللاجئين في ولاية ساكسونيا السفلى، بل أيضاً لأنها توفر فرص عمل كثيرة ومعاهد تدريب مهني متنوعة".

وأضاف عابدين: "قبل وصولي إلى ألمانيا، كنت أسمع عن  ولاية ساكسونيا السفلى 

من خلال المشاريع التنموية التي تنفذها ألمانيا في السودان، وهذا ما شجعني على اختيار هذه المدينة للاستقرار". 

ويشهد عدد السودانيين في أوروبا تزايدًا ملحوظًا، حيث تمثل الجالية السودانية إحدى أكبر الجاليات الإفريقية في هانوفر، ويأتي هذا الانتشار نتيجة الهجرة لأسباب اقتصادية وسياسية وإنسانية، خاصة بعد استمرار الحروب في كل من دارفور وكردفان.

السودان يعاني من تداعيات الحرب الأهلية

دور الجالية السودانية في هانوفر

شهدت سبعينيات القرن الماضي مشاريع اقتصادية مهمة بين ألمانيا والخرطوم، شكلت بصمة في ترسيخ الشراكات الاقتصادية الإستراتيجية في السودان. وقال معاوية محمد النور العبيد، من جمعية التعاون الألماني، لـDW: "في بداية التسعينيات توقفت هذه المشاريع، وحاول المختصون إرجاعها، لكن التوأمة للأسف وُجّهت إلى إحدى دول أمريكا اللاتينية".

بحسب ما أفاد به معاوية، فقد شهدت فترة التعاون بين السودان وولاية ساكسونيا السفلى الألمانية توجّهًا فريدًا في إدارة الموارد المالية، حيث كان فائض الميزانيات يُحوّل مباشرة إلى الولاية السودانية الشريكة، بدلاً من إعادته إلى الخزينة المركزية الألمانية أو توزيعه على برامج التوأمة الأخرى حول العالم.

وأضاف معاوية أن "هذا الدعم انعكس بشكل ملموس على السودان، لا سيما في مجالات البنية التحتية والمواصلات، إلى جانب تنفيذ برامج تدريب مهني بالتعاون مع الحكومة الألمانية. كما شمل التعاون الجانب الأكاديمي، حيث أُقيمت شراكات مع الجامعات الألمانية لتبادل المعرفة والمساهمة في تطوير التعليم العالي في السودان".

بدأ التعاون بين السودان وألمانيا في مجال التدريب المهني، حيث ساهمت الحكومة الألمانية عبر مؤسساتها التنموية، وعلى رأسها الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، في دعم هذا القطاع من خلال إنشاء مراكز تدريب  ، وتطوير المناهج، وتدريب الكوادر المحلية، مما أدى إلى تطور ملحوظ في جودة التعليم الفني والمهني في السودان.

مبادرات شبابية وثقافية عابرة للحدود

الشباب السوداني في هانوفر يمثلون قلب الجالية النابض، فهم الأكثر حضورًا في المؤسسات التعليمية، ومراكز التدريب المهني وسوق العمل المحلي. وقد ساهم العديد منهم في تأسيس مبادرات ثقافية واجتماعية تهدف إلى تعزيز الهوية السودانية والتفاعل الإيجابي مع المجتمع الألماني.

وقالت ريان معاوية، خريجة القانون وهي عضو في مبادرة "السودانيين في ألمانيا": "هدفنا هو بناء جسور التواصل بين الشباب السوداني في مختلف أنحاء ألمانيا، وقد نجحنا بالفعل في التعرف على شباب من ولايات ومدن أخرى وتنظيم فعاليات ومظاهرات تعبّر عن صوتنا".

وأضافت: "رسالتنا واضحة: نريد أن نُعرّف الشعب الألماني بالسودان،  بثقافته وتراثه وجماله ، وكذلك بالأوضاع التي يمر بها."أمّا منى السماني، مؤسسة متجر "بنت بلدي" فقالت: "أنشأت هذا المتجر لنشر ثقافة بلدي والتعريف بحضارتنا. عندما وصلت إلى هنا، لاحظت أن معظم الجنسيات تحرص على إبراز ثقافتها، بينما لا يعرف كثيرون السودان. اليابانيون، على سبيل المثال، لديهم مدرسة مخصصة لنشر ثقافتهم، وهذا ألهمني لإنشاء المتجر".

وتؤكد السماني لـDW: "هدفي هو أن أُعرّف الناس بجمال تراثنا السوداني، وقد أصبح المتجر وجهة للعديد من الزوار من مختلف الجنسيات، مثل الألمان والإيطاليين، وليس فقط السودانيين".

ومع تواجد هذا العدد الكبير للسودانيين في هانوفر، منذ سنوات طويلة، هل تتحول عاصمة ساكسونيا السفلى من مدينة مضيفة فقط إلى مختبر حي للتعايش؟