"هجوم زولينغن".. العقوبة القصوى في ألمانيا بحق إسلاموي سوري

سبتمبر 11, 2025 - 18:10
 0
"هجوم زولينغن".. العقوبة القصوى في ألمانيا بحق إسلاموي سوري

أخيرا صدر الحكم في ألمانيا على طالب اللجوء السوري الإسلاموي المدان بتنفيذ الهجوم الدموي في مدينة زولينغن. ما هي حيثيات القضية؟ ولماذا فشلت السلطات في ترحيله؟ وكيف تتعامل السلطات مع الإهاب الإسلاموي والأشخاص الخطرين؟

عند نطقها الحكم بالسجن المؤبد، حددت محكمة دوسلدورف الإقليمية العليا خطورة هذا الجرم وفرضت حكمًا يقضي بالحبس الاحتياطي بعد انتهاء مدة المحكومية. وهذا يعني أنَّ عيسى الـ. لن يطلق سراحه أبدًا. وعادةً ما تعني في ألمانيا العقوبة القصوى المسماة بالسجن المؤبد إمكانية الإفراج عن المدانين بعد 15 عامًا.

المهاجم من أنصار تنظيم "داعش"

واعتبر مكتب المدعي العام الاتحادي أنَّ هذه الجريمة دوافعها إسلاموية. وشملت لائحة الاتهام جرائم منها قتل ثلاثة أشخاص، وعشر محاولات قتل، والانتماء إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي (داعش). وجاء في لائحة الاتهام أنَّ عيسى الـ. طعن أشخاصًا يحتفلون في مدينة زولينغن غرب ألمانيا بدوافع دنيئة وبغدر، لأنَّه اعتبرهم - بصفته من أنصار داعش - "ممثلين للمجتمع الغربي".

ألمانيا - بدء المحاكمة في هجوم زولينغن الإرهابي - المتهم عيسى الـ. ( 27.5.2025)ألمانيا - بدء المحاكمة في هجوم زولينغن الإرهابي - المتهم عيسى الـ. ( 27.5.2025)

والمتهم اعترف بارتكاب جريمته في بداية محاكمته في أيار/مايو. وبحسب رأي الخبراء فهو يتحمل المسؤولية الجنائية عن الجريمة. ومع اقتراب نهاية المحاكمة، أدلى عيسى الـ. بتصريح مفاجئ وذكر أنَّ دافع جريمته هو عدم قدرته على تحمل أن يشاهد الناس يرقصون في ألمانيا بينما الأطفال يُقتلون في غزة.

ماذا حدث في زولينغن؟

وكان هذا الإسلاموي المُدان الآن قد هاجم بسكين مساء 23 آب/أغسطس 2024 أشخاصًا كانوا يحتفلون بالذكرى الـ650 لتأسيس مدينة زولينغن. وقام مباشرة أمام المسرح بطعن الناس بشكل عشوائي ولكن متعمدا أعناقهم. وقُتل ثلاثة أشخاص وأُصيب عشرة آخرون، بعضهم بإصابات خطيرة. وتم إلقاء القبض على عيسى الـ. عندما سلم نفسه للشرطة بعد يوم واحد من الهجوم.

ما هو المعروف عن هذا منفذ الهجوم؟

وهذا الشاب السوري، الذي كان عمره 26 عامًا وقت تنفيذه الهجوم، دخل إلى ألمانيا في كانون الأول/ديسمبر 2022 كطالب لجوء عبر بلغاريا وما يعرف باسم "طريق البلقان". وفي البداية، تم فرزه إلى سكن مؤقت في مدينة بادربورن وثم إلى زولينغن. وبحسب تقارير إعلامية فقد ذكر في طلب لجوئه أنَّه غادر سوريا ليتجنَّب تجنيده في الجيش - وخاصةً لأنَّه لا يريد القتال ضد الميليشيات الكردية.

وعلى الرغم من أنَّ عيسى الـ. كان يجب ترحيله إلى بلغاريا، ولكن إعادته إليها باءت بالفشل. وقبل تنفيذه الهجوم لم تكن سلطات الأمن الألمانية تعرف توجهه الإسلاموي.

لماذا بقي منفذ الهجوم في ألمانيا رغم رفض طلب لجوئه؟

وعيسى الـ. تم تسجيله في بلغاريا في كانون الأول/ديسمبر 2022، ولكن ترحيله إليها في عام 2023 فشل بسبب تقصير إداري وعقبات تنظيمية. وبحسب ما يعرف باسم "اتفاقية دبلن"، فقد كان يجب عليه اللجوء إلى بلغاريا كونها أول دولة أوروبية دخلها.

وقدّمت ألمانيا بعد ذلك طلب استقبال، وافقت عليه بلغاريا. ولكن لم يتم ترحيله فترة النقل اللاحقة الممتدة لستة أشهر: فعندما كان يجب ترحيله في 5 حزيران/يونيو 2023، لم تجده السلطات في مسكنه في بادربورن. ورغم عودته بعد ذلك بوقت قصير، لكن إدارة سكن اللاجئين لم تبلغ دائرة شؤون الأجانب بعودته. وكذلك فشلت السلطات في تنظيم رحلة ترحيل جديدة. وبسبب انقضاء المدة، أصبحت ألمانيا مسؤولة عن إجراءات لجوئه بموجب اتفاقية دبلن.

محكمة دوسلدورف الإقليمية العليامحكمة دوسلدورف الإقليمية العليا

تعتبر محكمة دوسلدورف الإقليمية العليا واحدة من 24 محكمة إقليمية عليا في ألمانياصورة من: Thomas Robbin/imagebroker/IMAGO

هل كانت توجد مشكلات أخرى في ترحيله الفاشل؟

والقيود اللوجستية جعلت إعادته إلى بلغاريا أكثر صعوبة. وكانت عمليات النقل بالطائرة إلى صوفيا ممكنة فقط في أيام معيّنة من الأسبوع وفي أوقات محددة. وقد أدى ذلك إلى عدم إجراء سوى نحو عشر عمليات ترحيل أسبوعيًا في جميع أنحاء ألمانيا.

وهذه القضية تُسلّط الضوء من جديد على موضوع "عمليات الترحيل الفاشلة". والكثير من طالبي اللجوء المرفوضين لأسباب قانونية أو عملية لا يمكن ترحيلهم مثلًا عندما لا تُصدر لهم بلدانهم الأصلية وثائق سفر أو في حال عدم وجود اتفاقيات إعادة. وبحسب المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) فإنَّ ألمانيا من دول الاتحاد الأوروبي التي لديها عدد مرتفع من الأشخاص الملزمين بمغادرة البلاد - أكثر من 250 ألفًا (في عام 2024) ونصفهم موجودون منذ سنين في ألمانيا.

ما هو النقاش السياسي الذي أثاره هجوم الطعن بالسكين؟

وهجوم زولينغن الإرهابي زاد من حدة الجدل القائم أصلًا حول اللجوء والهجرة، وأشعل حملة الانتخابات البرلمانية الألمانية الأخيرة. واستغل بشكل خاص حزبُ البديل من أجل ألمانيا (AfD) المتطرف في بعض أجنحته، هذا الهجوم القاتل لصالح أجندته المناهضة للهجرة.

عرض حزمة الإجراءات الأمنية: وزيرة الداخلية الألمانية السابقة نانسي فيزر (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) ووزير العدل الألماني السابق ماركو بوشمان (الحزب الديمقراطي الليبرالي)صورة من: Kay Nietfeld/dpa/picture alliance

وقد حذّر الباحثون في مجال التطرف من استغلال هجوم زولينغن، وشدّدوا على خطر زيادة العداء للمسلمين. ومثلًا قال أندرياس زيك من جامعة بيليفيلد لوكالة الأنباء الإنجيلية (EPD): "ما لا نحتاجه هو زيادة الصور النمطية والأحكام المسبقة والعنصرية والشك والكراهية ضد الأشخاص ذوي الأصول المهاجرة. وهذا هو ما يريده الإرهاب: زعزعة استقرار المجتمعات، بصرف النظر عن الظروف السياسية الناتجة عن ذلك".

كيف كان رد فعل الحكومة السابقة بقيادة المستشار شولتس؟

وفي ذلك الوقت تحدّث المستشار أولاف شولتس عن "جريمة مروعة". وبعد وقت قصير من الجريمة، قال سياسي الحزب الاشتراكي الديمقراطي شولتس: يجب التعامل بكل قوة القانون. وبعد بضعة أسابيع، اتفق الائتلاف الحاكم المكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الليبرالي على حزمة إجراءات أمنية، تنص على تسريع عمليات الترحيل وزيادة مراقبة الأفراد الخطرين، والمزيد من مراكز الاحتجاز للترحيل. وكذلك تم تشديد قوانين الأسلحة لتصعيب حمل السكاكين وغيرها من المواد الخطرة.

ماذا تستنتج الحكومة الجديدة بقيادة المستشار ميرتس؟

وبعد التغيير الحكومي في بداية أيار/مايو 2025، قرر الائتلاف الحاكم - المكون من الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي والحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة المستشار فريدريش ميرتس - تشديد سياسة اللجوء: إيقاف دخول المهاجرين الذين لا يحملون وثائق كافية، وتوسيع نطاق احتجاز المطلوب ترحيلهم لزيادة فاعلية إعادة الملزمين بمغادرة ألمانيا، وزيادة الرقابة على الحدود للحد من الهجرة غير النظامية.

وزير الداخلية الألماني ألكسندر دوبريندت (الثاني من اليسار) ورئيس وزراء ولاية بافاريا ماركوس زودر (على يسار) يزوران نقطة تفتيش كيفرسفيلدن المؤقتة على الحدود مع النمساصورة من: Peter Kneffel/dpa/picture alliance

كيف يتعامل القضاء الألماني ضد الإرهاب الإسلاموي؟

تلاحق ألمانيا أعمال العنف ذات الدوافع الإسلاموية بجميع الوسائل القانونية. وفي الحالات الخطيرة بشكل خاص مثل الهجمات الإرهابية المخطط لها أو المنفّذة، تتولى المسؤولية مجالس أمن الدولة في المحاكم الإقليمية العليا. وهذه الأقسام المتخصصة تتعامل حصريًا مع الجرائم ذات الدوافع السياسية أو الأيديولوجية. وتتعاون تعاونًا وثيقًا مع المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية (BKA) والمكتب الاتحادي لحماية الدستور (BfV) من أجل تحديد هوية الجناة والكشف عن شبكاتهم ومحاكمتهم.

وهناك عنصر أساسي في الوقاية من التهديدات يتمثل في مراقبة الأفراد الخطرين، الذين تعتقد السلطات الأمنية أنَّهم يمكن أن يرتكبون عملًا خطيرًا يهدد الدولة - حتى وإن كانوا لم يرتكبوا جريمة بعد. وتوجد من أجل ذلك لدى أجهزة الشرطة والاستخبارات الألمانية قواعد بيانات مشتركة ومع الاعتماد على المراقبة الوقائية.

لماذا يصعب إيقاف الأفراد الخطرين في الوقت المناسب؟

ومع أنَّ السلطات الأمنية تستطيع مراقبة الأفراد الخطرين وفرض قيود عليهم، لكن القانون الألماني لا يسمح بالاحتجاز الوقائي لفترة طويلة من دون ارتكاب جريمة. كما أنَّ المراقبة المستمرة على مدار الساعة للمشتبه بهم غير ممكنة بسبب نقص الموظفين. وبحسب المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية فقد تم اعتبار نحو 590 شخصًا يشكلون تهديدًا إسلامويًا في عام 2024.