هل يهزم لوبي العقارات الدولة؟.. "النوار" يُفشل البرنامج الحكومي لدعم السكن ويحرم آلاف المغاربة من امتلاك شقة الأحلام

سبتمبر 18, 2025 - 18:20
 0
هل يهزم لوبي العقارات الدولة؟.. "النوار" يُفشل البرنامج الحكومي لدعم السكن ويحرم آلاف المغاربة من امتلاك شقة الأحلام

لا تزال أزمة السكن واحدة من أعقد القضايا الاجتماعية التي ترهق الأسر المغربية، رغم إطلاق حكومات متعاقبة لبرامج متعددة بهدف تمكين المواطنين من امتلاك شقق بأسعار مناسبة. فبعد تجربة السكن الاقتصادي المدعم من الدولة، جاء برنامج الدعم المباشر لاقتناء السكن، الذي خصصت له ميزانية ضخمة ووُصف حينها بأنه الحل الذي سيُعيد الأمل لآلاف الأسر الباحثة عن الاستقرار، غير أن الواقع كشف عن عائق خطير اسمه "النوار"، يقف سداً منيعاً أمام تحقيق أهداف هذه المبادرات.

ظاهرة "النوار" لم تعد سراً، إذ يعمد عدد كبير من المنعشين العقاريين إلى عدم التصريح بكامل ثمن العقار عند البيع، ويُلزمون الزبون بدفع مبالغ مالية كبيرة خارج العقد الرسمي، تصل أحياناً إلى 40 في المئة من قيمة الشقة. هذه المبالغ غير القانونية لا يغطيها القرض البنكي، ما يجعل المواطن مضطراً إلى تدبير مبالغ إضافية فوق طاقته، ليتحول حلم السكن إلى كابوس مالي يثقل كاهل الأسر محدودة ومتوسطة الدخل.

 

المفارقة الصادمة أن الدعم المباشر الذي حددته الحكومة في 7 ملايين و10 ملايين سنتيم يفقد جدواه أمام هذه الممارسات، فالمستفيد يُجبر على دفع مبالغ تحت الطاولة تتجاوز بكثير قيمة الدعم، مما يجعل العملية برمتها شكلية أكثر منها عملية، ويُحول الدعم إلى مجرد حبر على ورق لا ينعكس فعلياً على القدرة الشرائية للمواطن.

الجهات الرسمية تعلم جيداً بانتشار "النوار"، لكن غياب الصرامة في المراقبة وغياب آليات فعّالة للزجر، جعلا المنعشين العقاريين يتمادون في استغلالهم، محققين أرباحاً مضاعفة عبر التهرب الضريبي وابتزاز المواطنين، وهو ما خلق حالة من فقدان الثقة في السوق العقاري، إذ أصبح المواطن يرى أن أي برنامج حكومي جديد محكوم عليه بالفشل ما دام "النوار" ينخر القطاع في صمت.

إلى جانب الخسارة المباشرة التي يتكبدها المواطن، فإن الدولة نفسها تتضرر بشكل كبير من هذه الظاهرة، حيث تُحرم الخزينة العامة من مداخيل ضريبية مهمة بسبب عدم التصريح بالقيمة الحقيقية للعقارات، الأمر الذي يفاقم من عجز الميزانية ويُعرقل قدرة الدولة على تمويل مشاريع اجتماعية أخرى.

خبراء في المجال يحذرون من أن استمرار هذا الوضع سيجعل أزمة السكن تتفاقم أكثر، معتبرين أن الحل يكمن في تشديد الرقابة على المنعشين، وإلزامهم بالتصريح بالثمن الحقيقي تحت طائلة عقوبات صارمة، كما يقترحون رقمنة جميع مراحل البيع والشراء لضمان الشفافية، ومنع أي تعامل مالي خارج الإطار القانوني.

اليوم، بات واضحاً أن لا برنامج سكني حكومي سينجح في تحقيق أهدافه ما لم تتم مواجهة "النوار" بجدية، فالقضية لم تعد مجرد مشكل مالي للأسر، بل تحولت إلى قضية عدالة اجتماعية تمس حق المواطن في السكن الكريم، وحق الدولة في حماية مصالحها الاقتصادية.

 وبين غلاء الأسعار من جهة، واستفحال "النوار" من جهة أخرى، يظل حلم امتلاك شقة بالنسبة لآلاف المغاربة بعيد المنال، في انتظار أن تتحرك الحكومة لتضع حداً لهذا النزيف.