الاقتصاد الأمريكي بين التعافي والركود.. محركات محدودة تمنع الانهيار الكامل

رغم التعريف الشائع للركود بأنه ربعان متتاليان من الانكماش الاقتصادي، تعتمد الولايات المتحدة نهجاً أدق يضعه المكتب الوطني الأمريكي للبحوث الاقتصادية، الذي يعتبر الركود "انخفاضاً بالغاً في النشاط الاقتصادي، واسع الانتشار، ويدوم أكثر من بضعة أشهر". وبحسب هذا المعيار، نجا الاقتصاد الأمريكي حتى الآن من الدخول الرسمي في ركود، رغم إشارات الضعف الواضحة.
فقد نما الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من العام بعد انكماش طفيف في الربع الأول، إلا أن المؤشرات الستة الأساسية التي يعتمدها المكتب سجلت في مايو الماضي مستويات قريبة من المنطقة الانكماشية. ووفق تقديرات الخبير باسكال ميكايلات، فإن خوارزمية سوق العمل تشير إلى احتمال 71% أن الاقتصاد كان بالفعل في حالة ركود خلال مايو، خاصة مع ارتفاع البطالة وتراجع الوظائف الشاغرة.
ويتقاسم الأمريكيون هذا القلق؛ إذ كشف استطلاع للرأي أجرته إيكونوميست ويوغوف أن نصف المشاركين يرون الاقتصاد "يزداد سوءاً"، فيما اعتبر ثلثهم أن البلاد تعيش ركوداً بالفعل.
وتُظهر قراءة أكثر تفصيلاً أن الاقتصاد الأمريكي لا يتحرك بوتيرة موحدة. فوفق مارك زاندي من موديز أنالتكس، تمر بعض الولايات، خصوصاً في وسط الغرب وحزام الصدأ، بركود فعلي، بينما تواصل ولايات كبرى مثل كاليفورنيا وتكساس ونيويورك دعم الاقتصاد الوطني. كما تعاني قطاعات الزراعة والتصنيع والبناء من الانكماش، في مقابل صمود الرعاية الصحية والتكنولوجيا والخدمات المالية.
وتلعب طفرة الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في إبقاء الناتج الأمريكي إيجابياً، إذ ساهمت وحدها في رفع معدل النمو خلال النصف الأول من العام إلى الضعف تقريباً، عبر استثمارات ضخمة في مراكز البيانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. لكن عند استثناء هذا العامل، يتضح أن الاستثمار الخاص في معظم القطاعات بدأ بالانكماش.
ويبرز قطاع الرعاية الصحية كمحرك آخر للنمو، إذ شكّل نحو 86% من الوظائف المضافة خلال الفترة الثانية من حكم الرئيس دونالد ترامب، ما أنقذ بيانات التوظيف من تسجيل خسائر صافية. غير أن ذلك يعكس أيضاً ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية التي أثقلت كاهل الأسر، لتشكل 12% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024.
كما يتضح أن الأثرياء والأسر ذات الدخل المرتفع يقودون الإنفاق الاستهلاكي، مدعومين بارتفاعات سوق الأسهم المرتبطة بازدهار الذكاء الاصطناعي. في المقابل، تتأثر الأسر منخفضة الدخل بشكل أكبر بأسعار الفائدة المرتفعة وضعف سوق العمل، ما يخلق فجوة استهلاكية واسعة.
وعليه، فإن غياب إعلان رسمي عن "ركود شامل" لا يعني أن الاقتصاد بخير. بل يعكس في الواقع صورة مركبة: قطاعات وولايات وأسر تعيش ظروفاً شبيهة بالركود، بينما تمنح الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية والولايات الكبرى متنفساً مؤقتاً لأكبر اقتصاد في العالم.