“الساعة فوق الجينية”.. أداة ثورية لرصد الشيخوخة المبكرة وإنقاذ الأنواع المهددة

يمثل الحفاظ على التنوع البيولوجي سباقاً مستمراً ضد عقارب الساعة، وغالباً ما يُخسره العلماء، إذ لا يُكتشف تدهور بعض الفصائل إلا بعد وصولها إلى حافة الانقراض، كما حدث مع الحمام الزاجل في أمريكا الشمالية والدلفين النهري في الصين ووحيد القرن الأبيض في إفريقيا.
ومن أجل مواجهة هذا التحدي، برزت تقنية جديدة تُعرف باسم "الساعة فوق الجينية" (Epigenetic Clock)، لا تُقاس بالزمن بل بالعمر البيولوجي للكائن الحي، وذلك من خلال تحليل بصمات كيميائية دقيقة تُسمى "مجموعات الميثايل" داخل الحمض النووي. وتتيح هذه الوسيلة للعلماء التنبؤ بالتغيرات الصحية والبيئية قبل فوات الأوان.
وفي كندا، أظهرت دراسات أن الدببة القطبية تشيخ أسرع من أسلافها بسبب تقلص فترات تساقط الثلوج وتراجع أعداد الفقمات التي تشكل غذاءها الأساسي، مما انعكس سلباً على مخزونها من الدهون وظهر على المستوى الجزيئي. كما أثبتت أبحاث أخرى أن دلافين قارورية الأنف في أمريكا الجنوبية، التي لا يتجاوز عددها 600، أظهرت علامات شيخوخة مبكرة بسبب التلوث الزراعي والصناعي، بينما عجّلت كارثة التسرب النفطي في خليج المكسيك عام 2010 من شيخوخة دلافين المنطقة مقارنة بنظيراتها في بيئات نظيفة.
وفي إفريقيا، طور باحثو معهد ماكس بلانك عام 2021 نسخة خاصة من الساعة فوق الجينية لقرود البابون في متنزه أمبوسيلي الكيني، حيث بينت النتائج أن الذكور المتصدرة للتراتبية الاجتماعية تبدو أكبر عمراً بيولوجياً من نظرائها رغم تساويهم في العمر الزمني، ما كشف أن الزعامة قد تُسرّع الشيخوخة بدلاً من تعزيز الصحة.
أما في أوروبا، فقد أثبتت تجارب بجامعة إدنبرة البريطانية أن فئران الغابات تعاني شيخوخة أسرع عند نقص الغذاء أو الإصابة بالطفيليات، وهي نتائج تتقاطع مع ما هو معروف لدى البشر، حيث يسهم التوتر وسوء التغذية والعدوى في تسريع الشيخوخة. ويرى العلماء أن هذه التقنية قد تمثل نظام إنذار مبكر يسمح بإنقاذ الأنواع المهددة قبل أن تختفي، كما تؤكد الباحثة ميجان جونز: "إنها وسيلة لرؤية الحاضر بوضوح، عندما تكون فرصة التعافي ما زالت قائمة".