العقوبات البديلة بين التأييد والرفض!

سبتمبر 11, 2025 - 18:10
 0
العقوبات البديلة بين التأييد والرفض!

في سابقة قضائية شهدت المحكمة الابتدائية بمدينة أكادير يوم الجمعة 22 غشت 2025 صدور حكم، يعد هو الأول من نوعه بخصوص القانون رقم 22.43 المتعلق بالعقوبات البديلة الذي دخل حيز التنفيذ في ذات اليوم، حيث أنها بناء على المرسوم رقم 386.25.2 المحدد لكيفيات تطبيق العقوبات البديلة، قضت في حق شخص توبع بتهم السكر العلني البين والسياقة في حالة سكر، والاتجار في المشروبات الكحولية بدون رخصة، ببراءته من جنحة الاتجار في المشروبات الكحولية، فيما أدانته بباقي التهم الأخرى وحكمت عليه بشهرين حبسا نافذا وغرامة قدرها 500 درهم، قبل العودة إلى استبدال العقوبة الحبسية بغرامة تقدر ب"300 " درهم عن كل يوم من مدة العقوبة الحبسية، أي ما مجموعه 18 ألف درهم.

      وهو التطبيق الفعلي الأول لمقتضيات قانون العقوبات البديلة الذي جاء استجابة لمطالب المنظمات والهيئات الحقوقية التي طالما نادت بضرورة أنسنة العقاب خاصة بعد أن تبين لها فشل العقوبات السالبة للحرية في الحد من ظاهرة "الجنوح"، وتزايد أعداد السجناء ذوي العقوبات القصيرة المدة الذين يمثلون ثلثي الساكنة السجنية. ويندرج هذا القانون الذي سبق للبرلمان أن صادق عليه يوم 22 ماي 2025 في إطار إصلاح العدالة الجنائية، باعتماد بدائل أخرى للعقوبات السالبة للحرية، فيما يخص الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات، ولاسيما بالنسبة للقضايا غير ذات الخطورة الكبيرة على النظام العام، مما قد يتيح فرصة أخرى للإصلاح وإعادة الإدماج، عوض الاستمرار في الإبقاء على العقوبات الزجرية.

      فمن الناحية المبدئية، يسعى القانون الجديد إلى الانتقال من منطق الزجر إلى الإصلاح بمختلف أبعاده، تقويم السلوك، الإدماج الاجتماعي، حفظ كرامة المحكوم عليه ومنحه فرصة ثانية لتفادي العقوبة السجنية، وحماية المجتمع من أضرار الجريمة. ويشكل هذا القانون ثورة على المنطق التقليدي، المتمثل في كون العقوبة الفعلية التي تحقق الردع هي تلك القائمة على السجن أو الحبس أو الغرامة النافذة، في حين أنه يمكن للعدالة أن تتحقق كذلك على عقوبات بديلة دون المس بحرية الأشخاص، وبالأخص إذا كانت الجرائم بسيطة، كما يشكل أيضا ثورة أخرى على مستوى تبني المقاربة الحقوقية التي تقوم على أنسنة العقاب.

      وعملا على التنزيل الأمثل لمقتضيات هذا القانون، أكد المجلس الأعلى للسلطة القضائية على ضرورة تعيين قاض مختص بتطبيق هذه العقوبات في كل محكمة على حدة، لتنسيق الجهود مع باقي المتدخلين، فضلا عن إجراءات أخرى أكثر دقة. وبموازاة مع ما يتيح القانون العقوبات البديلة من فرص استبدال بعض العقوبات الحبسية بعقوبات بديلة كالعمل لأجل المنفعة العامة، المراقبة الإلكترونية، أو الغرامات اليومية، مع استبعاد الجرائم الخطيرة التي تمس أمن الدولة أو الحق في الحياة والسلامة الجسدية، فإنه يسمح للحكومة بالعودة إلى تطبيق العقوبة الحبسية الأصلية، أو ما تبقى منها في حالة ما إذا لم يلتزم المحكوم عليه بالعقوبة البديلة وأخل بتنفيذها على الوجه الأكمل، أو التوقف عن تنفيذها.

      وقد أكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة، هشام البلاوي، أن هذه المبادرة تنسجم مع روح التوجيهات الملكية، التي ما فتئت تدعو إلى اعتماد بدائل للعقوبات السالبة للحرية، كما جاء في الخطاب الملكي السامي يوم 20 غشت 2009 بمناسبة الذكرى ال"56" لثورة الملك والشعب، حيث شدد على أن الغاية الكبرى تتمثل في السعي نحو تخفيف الاكتظاظ داخل السجون، مراعاة حقوق الضحايا، وضمان فرص حقيقية لإعادة الإدماج...

      فبمجرد الإعلان عبر مختلف وسائل الإعلام الوطنية عن دخول قانون العقوبات البديلة حيز التنفيذ، تواترت التدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي حول إلغاء العقوبة الحبسية وتعويضها بعقوبات بديلة أو غرامات مالية، حيث انقسمت الآراء بين مؤيد للقانون الجديد ورافض لمضامينه. إذ يرى مؤيدوه أنه من المبادرات الطيبة لما يسعى إلى تحقيقه من أهداف بغية تطوير العدالة الجنائية ببلادنا على غرار ما يجري في عديد البلدان الأوروبية والخليجية أيضا، واعتماده على مبادئ إنسانية تروم تخفيف الضغط على المؤسسات السجنية، تقديم فرصة ثانية للمتهمين، إعادة تأهيل المحكوم عليهم ودمجهم في المجتمع من خلال برامج علاجية أو تأهيلية ...

      وفي المقابل يرى الرافضون لذات القانون الجديد، أن هذه العقوبات البديلة سوف تستعمل كوسيلة للتهرب من العقاب الحقيقي، وتفتح باب التمييز بين الفقراء والأغنياء القادرين على شراء العقوبات الحبسية، ويعتبرونها مسا بحقوق الضحايا وتشجيعا على ارتكاب مزيد من جرائم السرقة والضرب والجرح والتحرش والنصب والاحتيال، ناهيكم عما يمكن أن يخلفه من شعور بالظلم وعدم الإنصاف لدى الضحايا وهم يرون المعتدين عليهم يتمتعون بالحرية.

      إننا مع قانون العقوبات البديلة لما جاء به من فوائد، ولاسيما أنه يستثني عددا من الجرائم الخطيرة كجرائم المس بأمن الدولة، جرائم الإرهاب، الرشوة، اختلاس المال العام، غسيل الأموال، الاتجار الدولي في المخدرات والجرائم ذات الطابع الجنسي التي تستهدف القاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة. لكننا نخشى أن يؤدي شراء العقوبات السجنية إلى انتشار عمليات الانتقام بين الضحايا، مما يستدعي التشدد في استبدال العقوبات الحبسية بالغرامات المالية، والاكتفاء فقط بتحديد العقوبات البديلة في إنجاز بعض الأعمال والخدمات كبناء السدود والقناطر وفتح الطرق في أعالي الجبال، تنظيف المؤسسات العمومية والشوارع وإعطاء دروس التقوية لأبناء الفقراء وغير ذلك...