"اليمين الإسباني ورواية ألفارو" هروب بائس من فضيحة الحرس المدني في سبتة المحتلة

في خضم العاصفة السياسية التي تضرب مدريد، وجد اليمين الإسباني نفسه عارياً أمام الرأي العام بعدما انفجرت فضيحة هاديس، أكبر ملف فساد يضرب الحرس المدني في سبتة المحتلة. نصف الجهاز تقريباً تبيّن تورطه في إدخال الحشيش وحماية شبكات التهريب، في زلزال هز ثقة الإسبان في مؤسسات دولتهم، بينما محاكم مدريد غارقة حتى الآن في التفاصيل المهينة لهذا السقوط الأمني.
ولأن اليمين المتطرف لا يحتمل مواجهة الحقيقة، اختار الهروب إلى الأمام ووجّه فوهة الاتهام نحو المغرب، كما يفعل دائماً كلما احترق البيت الإسباني من الداخل. وهكذا خرجت جريدة ألفارو، الصوت الرقمي المقرّب من اليمين، برواية مثيرة تُباع كتحقيق أمني خطير، بينما هي في الحقيقة مجرد كتيب إثارة رخيص، بلا وثائق، بلا أرشيف، بلا مصادر محترمة، قائم على قصاصات وإشاعات ومرويات المقاهي في سبتة المحتلة.
الأغرب أن جزءاً مما قدمته ألفارو كأنه رموز سرية تستخدمها شبكات التهريب المغربية، مثل: الحومّار، الجلود، الطرابش، البِناية، مأخوذ حرفياً من مقالات مغربية قديمة نشرتها يوميات وطنية حول شبكات التجارة الدولية للمخدرات. وقد استُعملت تلك الأوصاف داخل محاضر الضابطة القضائية بعد تفريغ مكالمات مجرمين ومشتبه بهم، كان من ضمنهم ضباط بالدرك وعناصر أمنية. هذه المعطيات منشورة ومعروفة للقضاة والباحثين والمتابعين للشأن الأمني المغربي، ولا تحمل أي طابع استخباراتي خارق كما حاولت الصحيفة اليمينية إيهام قرائها.
إن اقتطاع هذه التسميات من سياقها القضائي المغربي وإعادة تدويرها بروح يمينية مهووسة بالمغرب يكشف حجم التلفيق. فكاتبة الرواية لا تقدم وثائق ولا أرشيفات ولا محاضر، بل تستند إلى صور عابرة لمزرعة أو قوارب ترفيهية، وبعض الأحاديث الجانبية لعناصر من الحرس المدني، أي الجهاز نفسه الغارق في فضيحة فساد تعد الأكبر في تاريخه الحديث.
إن محاولة تحميل المغرب مسؤولية هذا السقوط الأخلاقي داخل مؤسسة إسبانية هو هروب سياسي بامتياز. فحين ينهار جهاز الحرس المدني في سبتة إلى درجة أن نصف عناصره متورطون في إدخال الحشيش والتعاون مع عصابات إجرامية، يصبح البحث عن عدو خارجي ضرورة نفسية لليمين المتطرف أكثر منه تحليلاً أمنياً. واتهام جهاز أمني مغربي بالريبة والتستر والمكر في التهريب وملفات الهجرة العابرة للحدود يمثل مستوى أخلاقياً منحطاً، ويكشف بوضوح الدافع السياسي وراء هذه الاتهامات التي تهدف إلى إلهاء الرأي العام الإسباني عن الفساد المؤسسي داخل أجهزة مدريد نفسها.
أما المغرب، فليس بحاجة إلى نسج الروايات. المملكة دولة بمؤسسات قوية، تفكك شبكات التهريب عبر عمليات حقيقية، وتقدم الملفات للقضاء، وتتعامل مع الهجرة والتهريب بحزم وتنسيق يتقدم سنة بعد أخرى.
والحقيقة أن المغرب وإسبانيا تربطهما اتفاقيات أمنية راسخة، وأي تحقيق جدّي في المنطقة لا يمكن أن يتم خارج التنسيق مع أجهزة الدرك الملكي المغربية. فالمملكتان نفذتا عشرات العمليات المشتركة خلال السنوات الأخيرة ضد شبكات التهريب والجريمة المنظمة، كان آخرها عملية تفكيك شبكة الدرون الخطيرة التي قادتها المصالح الأمنية المغربية بكفاءة عالية، في تنسيق مباشر مع نظيراتها الإسبانية. وهي عمليات حقيقية وموثقة، لا علاقة لها بروابط صحفية متوترة تبحث عن الإثارة، ولا بروايات سياسية مرتعشة يريد اليمين الإسباني تسويقها للهروب من فضيحة الحرس المدني.
وما يزيد رواية ألفارو هشاشة أنها جاءت مباشرة بعد زيارة رئيس الحكومة الإسباني بيدرو سانشيز لسبتة المحتلة، في ظل محاولات الضغط لإعادة فتح معبر باب سبتة كما كان سابقاً، أو للتأثير على التعاون الأمني في ملفات الهجرة، رغم أن توقف الظاهرة أو استمرارها يخضع لعوامل جغرافية وحقوقية، لا لأوهام يمينية.
إن رواية ألفارو ليست سوى محاولة يائسة لتغطية الشمس بالغربال: فساد داخلي، وانهيار مؤسسي، ويمين متطرف يحتاج عدواً، وإعلام يبيع الوهم للشارع الإسباني. أما المغرب، فمؤسساته تتقدم بثبات، وسيادته لا تهتز، ولا ينشغل بضجيج خصوم فقدوا السيطرة على بيتهم الداخلي.