تصاعد القلق الإسباني من المغرب "تحوّل في ميزان القوى أم فوبيا استعمارية قديمة؟"

يشهد المزاج العام في إسبانيا تحولا لافتا في نظرته إلى المغرب. فحسب تقرير جديد صادر عن معهد “إلكانو” الملكي الإسباني، يرى أكثر من 55٪ من الإسبان أن المغرب هو “التهديد الخارجي الرئيسي” لبلادهم، متقدما على روسيا التي لم تتجاوز نسبة الخائفين منها 33٪. رقم صادم، لكنه ليس مفاجئا في سياق تحولات عميقة تشهدها الضفة الجنوبية للمتوسط.
التقرير، الذي نشره موقع Descifrando la Guerra، يكشف كيف تحول المغرب في الخطاب السياسي والإعلامي الإسباني من جار وشريك اقتصادي إلى مصدر قلق استراتيجي. فالإعلام الإسباني، الذي لم يبرأ بعد من إرث “إسبانيا ما وراء البحار”، يضخم كل خبر عن تحديث الجيش المغربي أو عن اتفاقات التعاون العسكري مع واشنطن وتل أبيب، ليقدمه كـ“تهديد مباشر” لسبتة ومليلية.
لكن خلف هذه الضوضاء، هناك حقائق لا يمكن إنكارها.
منذ سنة 2017، شرع المغرب في تنفيذ رؤية ملكية شاملة لتحديث القوات المسلحة الملكية، تبلورت فعليا سنة 2020، بهدف واضح هو تحقيق استقلال استراتيجي للمملكة وتكريس سيادتها الدفاعية دون تبعية لأي محور. فالمغرب الذي عاش عقودا في ظل تفوق عددي وجغرافي للجيش الجزائري، قرر أن يوازن الكفة عبر التصنيع المحلي وتنويع مصادر التسلح،والاعتماد على احدث التكنولوجيا العسكرية .
ولعل ما يثير الذعر في الأوساط الإسبانية هو أن المغرب لم يعد ذلك الجار الضعيف أو التابع اقتصاديا، بل صار قوة إقليمية تمتد شبكات نفوذه من عمق إفريقيا إلى الأطلسي. فبينما انسحبت فرنسا وإسبانيا تدريجيا من منطقة الساحل، تقدم المغرب ليملأ الفراغ الأمني والاقتصادي، مستثمرا ثقة الدول الإفريقية في “النموذج المغربي للاستقرار”.
التقرير الإسباني نفسه يعترف بأن التحالفات الجديدة للمغرب — وخاصة مع الولايات المتحدة وإسرائيل بعد اعتراف واشنطن بسيادته على الصحراء — غيرت المعادلة الجيوسياسية في غرب المتوسط. فالمملكة باتت اليوم لاعبا أساسيا في مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية، وتمتلك قدرة حقيقية على التأثير في القرار الأوروبي المرتبط بالحدود والأمن الطاقي.
لكن حين يقرأ الإسبان هذه المعادلة من زاوية الخوف، فإنهم في الواقع يُسقطون عقدهم التاريخية. فإسبانيا لم تتصالح بعد مع فقدانها للمجال المغربي الذي كانت تعتبره امتدادا لنفوذها الإمبراطوري. ومع كل خطوة مغربية نحو القوة، تستيقظ “الفوبيا الاستعمارية القديمة” التي ترى في المغرب خصما لا شريكا.
إن بناء جيش مغربي عصري ليس موجها ضد مدريد ولا ضد أي دولة أوروبية، بل هو مشروع دولة ذات سيادة قررت أن تعتمد على نفسها في زمن لا يرحم الضعفاء. فمن يتخوف من صعود المغرب إنما يعترف ضمنيا بتراجعه. أما المغرب، فإنه يسير بثبات على نهج واضح.الردع بالحداثة، والتوازن بالقوة، والسيادة بالاستقلال الاستراتيجي.
ولعل السؤال الذي ينبغي أن يطرحه الإسبان على أنفسهم ليس “هل يشكل المغرب تهديدا؟”
بل“هل نحن مستعدون لتقبل مغرب قوي، متطور، وند حقيقي في غرب المتوسط.”