حرب بلا نار… مؤامرة رقمية تستهدف وعي المغاربة

أكتوبر 13, 2025 - 02:45
 0
حرب بلا نار… مؤامرة رقمية تستهدف وعي المغاربة

منذ أعوام ليست بالبعيدة، أخذت رياح خفية تهب من الشرق، محمَّلة برائحة حرب لا تُخاض في ميادين الحديد والنار، بل في فضاء لا يُرى ولا يُسمع إلا بأصداء النقر على الشاشات. هناك، حيث تتقاطع التقنية بالمكر السياسي، نسج النظام الجزائري خيوط مؤامرة ناعمة تُدار ببرودة أشبه ببرودة الخوادم التي تحركها، وتغذيها خزائن المال العام بسخاء لا يخفى على من اعتاد قراءة ما بين السطور.

فقد كشفت معطيات متقاطعة أن أجهزة متخصصة في الحرب السيبرانية، تابعة لدوائر جزائرية نافذة، شرعت منذ مطلع العام الجاري في اقتناء صفحات مغربية مؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، عبر وسطاء مقيمين في أوروبا يجيدون التسلل بين الأسواق الرقمية المغلقة كما يتسلل المهرب بين نقاط العبور. وبلغت بعض تلك الصفقات أرقاما خيالية، دفعت ثمنا لصفحات يتجاوز جمهورها مئات الآلاف من المتابعين، فقط لأنها مغربية النفس، ملكية الولاء، أو لأنها تبدي إشادة بإنجازات الدولة ومؤسساتها.

كانت البداية من العتمة الافتراضية لمنصات الألعاب، حيث أُنشئت مجموعات على تطبيقات مثل “ديسكورد” و“تلغرام”، ظاهرها التسلية وباطنها الاستقطاب. هناك، يستدرج الأطفال والمراهقون المغاربة بحيل نفسية محكمة، فتخضع أذهانهم تدريجيا لخطاب ساخر أو عدواني تجاه رموزهم الوطنية. وحين يشتد عودهم في التفاعل، يزج بهم في مجموعات سياسية خبيثة تدار من خارج الحدود، فيتحول اللعب إلى ولاء، والمزاح إلى دعاية، واللاوعي إلى أداة.

ثم انتقلت الخطة إلى مرحلة أكثر دقة وخطورة، إذ تم إنشاء شبكة من الحسابات الوهمية الناطقة بلهجة مغربية مصطنعة، مدربة على تقليد النبرة المحلية والأسلوب اليومي للمغاربة. هكذا ولد جيش من الذباب الإلكتروني يحاكي أبناء الوطن في لهجاتهم ونكاتهم ومزاجهم، لكنه في الحقيقة لا يعرف من المغرب سوى اسمه. وقد شغل هذا الجيش على نحو متقن، ليمطر الصفحات الوطنية بوابل من التعليقات الساخرة والإيموجيات المستفزة، فيغمر المنشورات الإيجابية بسيل من السخرية المنظمة، حتى يبدو للقارئ العادي أن الكل ساخط والكل ناقم، وأن الوطن لم يعد له من محب ولا مدافع.

ولم تتوقف الحملة عند السياسة وحدها، بل تعدتها إلى الرياضة والفن والبنية التحتية والمجال الصحي. فما إن يعلن المغرب عن مشروع جديد أو إنجاز قادم، حتى يتدافع الذباب الجزائري إلى التعليقات، يتهكم ويكذب، مستعملا الكلمات ذاتها التي تلوكها نشرات الإعلام الجزائري الرسمي: “فوتوشوب”، “بروباغاندا”، “المخزن”. وهكذا تتوحد المفردة في الجبهة، وتتناثر الفتنة بين الصفوف، فيغدو الساخر جزءا من ماكينة لا يدري أنه مسلوب الإرادة داخلها.

ما يجري ليس نشاطا عابرا ولا خصومة إلكترونية بين الشعوب، بل حرب مكتملة الأركان تدار من غرف مظلمة في الجزائر وأوروبا، تسخر لها العقول والبرمجيات والصفقات والوقت، وكلها تهدف إلى ضرب الثقة بين المغربي ودولته، وزرع الوهم بأن الفساد شامل والرجاء مفقود. إنها حرب تخاض بلا دبابات ولا طائرات، بل بكلمة مسمومة وصورة مغلوطة وتعليق محسوب كرصاصة في جبهة الوعي.

والأخطر أن المغرب، رغم إدراكه لتلك الحملات، لم يُنشئ بعد دفاعاته الرقمية الكافية لمواجهة هذا الطوفان الرمزي الذي لا يكتفي بتزييف الخبر، بل يعبث بالنفس والعقل والوجدان. فالحرب الرقمية ليست سوى مرآة للعداوة القديمة بين من يرفضون أن يرى المغرب نفسه كما هو" أمة ذات جذور راسخة في التاريخ، ودولة تسير بثقة نحو المستقبل."

التحقيق ما يزال جاريا، لكن الثابت أن الذباب الجزائري المعروف (بالكرغولي) لم يعد مجرد مصطلح ساخر في المعجم الرقمي، بل أصبح مشروع دولة يدار بعقل بارد ونفس طويل، هدفه إقناع المغربي بأن لا شيء يستحق الدفاع عنه. غير أن المغرب، الذي واجه جيوشا حقيقية عبر تاريخه الطويل، لن تهزمه جيوش من الوهم، لأن الأمم التي تصمد في المعارك لا تهزم في التعليقات.