"كلمة حق" ترفع أسهم وزير الصحة في بورصة الاحتجاجات وظهوره الأخير عبر "دوزيم" غير نظرة الجميع إليه

أكتوبر 7, 2025 - 12:55
 0
"كلمة حق" ترفع أسهم وزير الصحة في بورصة الاحتجاجات وظهوره الأخير عبر "دوزيم" غير نظرة الجميع إليه

من النادر جدا أن يخرج وزير مغربي إلى وسائل الإعلام فيترك خلفه انطباعًا إيجابيًا وعامًّا بهذا الحجم، خاصة إبان الأزمات، لكن ما فعل"أمين التهراوي"، وزير الصحة، في ظهوره الأخير على القناة الثانية ضمن برنامج "لقاء خاص"، كان مختلفًا تمامًا عن الصورة النمطية التي ألفها المواطنون عن المسؤولين. فالرجل ظهر هادئًا، متوازنًا، واثقًا من نفسه، يتحدث بكل صدق وصراحة، بلغة قريبة من الناس، بعيدة عن الزخرفة والشعبوية، يشرح الواقع كما هو، لا كما يُراد له أن يُرى.

وارتباطا بالموضوع، شدد عدد كبير من النشطاء على أن وزير الصحة استطاع في ظرف زمني قصير، أن يقلب المزاج العام رأسًا على عقب. فبعد أسابيع ساخنة اتسمت بكثير من الانتقادات الحادة، واتهامات بالعجز عن تدبير القطاع، تحوّل إلى أحد أكثر الوزراء الذين حظوا بتقدير الرأي العام خلال الأيام الأخيرة. 

شهادات كثيرة غزت مواقع التواصل الاجتماعي حملت عنوانًا موحدا.. "كلمة حق". كلمات مواطنين من اتجاهات مختلفة، قالوا إنهم لمسوا في الرجل الصدق والجدية، وأنه تحدث بعقل بارد ولسان مسؤول، دون أن يتوارى خلف مبررات "التراكمات" ولا أن يلقي باللوم على من سبقه. مرة واحدة فقط استحضر الماضي حين تطرق إلى البنية التحتية، ثم عاد إلى الحاضر بصيغة الفعل: "درت، غاندير و غانصلح"، وفق تعبير الوزير.

ذات الشهادات أشارت إلى أن "التهراوي" لم يكن مثالياً في خطابه، لكنه كان حقيقياً. لا تصنع في نبرته ولا تمثيل في كلماته. تحدث بعفوية محسوبة، وبتعبير واضح خالٍ من "لغة الخشب" التي ملّ منها المواطنون. بدا كمن يعرف حجم الداء، ويضع يده على مواضع الألم، لكنه لا يبيع الوهم. قال ما يمكن فعله وما لا يمكن فعله، بكل هدوء ومسؤولية. لهذا كان حديثه مختلفاً، لأن الناس لم يروا فيه السياسي المعتاد، بل الرجل الذي يريد أن يشتغل، لا أن يتصدر العناوين.

ورغم موجة الإشادة، ظل سؤال واحد يتردد بقوة بين المتابعين: لماذا سكت الوزير طيلة هذه المدة؟ لماذا ترك الفراغ يملأه الآخرون، واكتفى ببلاغات رسمية باردة من نوع "قام الوزير بزيارة ميدانية للاطلاع على كذا وكذا"؟ الحقيقة أن تواصله المتأخر حرمه من فرصة كسب ثقة الناس في وقت أبكر، لكنه على الأقل حين خرج، خرج مختلفًا، وترك أثرًا لم يتركه غيره منذ مدة طويلة.

ولأن الرجل لا يبدو مأخوذًا بالحسابات الحزبية، دعا كثيرون إلى منحه مساحة أوسع للتحرك بحرية، وتكليفه بالقطاع بصفته تكنوقراطيا أكثر منه سياسيا، مشيرين إلى أن وزارة الصحة تحتاج اليوم إلى رجال ميدان لا إلى متحدثين بارعين، إلى من يشتغلون في صمت، لا إلى من يبحثون عن الأضواء.

ومعلوم أن "أمين التهراوي" لم يُكمل بعد عامه الأول على رأس الوزارة، لكن مروره الأخير أبان عن شخصية رزينة وواعية بحجم التحديات. بدا كمن يعرف طريقه، لا يرفع الشعارات ولا يعد بالمستحيل، بل يعد فقط بالعمل. وربما لهذا السبب بالتحديد استحق احترام الناس، لأنهم لأول مرة منذ زمن سمعوا وزيرًا يتحدث مثلهم، لا عنهم.

وعموما، الرهان اليوم هو أن يتحول هذا الخطاب الهادئ الصادق إلى فعل يومي داخل المستشفيات والمراكز الصحية، وأن تترجم تلك الثقة إلى نتائج ملموسة يشعر بها المواطن البسيط في الدواء والعلاج والخدمة. أما الوزير، فقد كسب أولى جولات معركة الثقة، وهي أصعب الجولات دائمًا.