ملف الصحراء.. هل يضع قرار مجلس الأمن الجزائر في مأزق؟
 
                                
وزعت واشنطن في الثاني والعشرين من شهر أكتوبر الجاري بين يدي أعضاء مجلس الأمن مشروع قرار ينص بصراحة على أن إطار الحل السياسي لنزاع الصحراء هو المقترح المغربي للحكم الذاتي، وأنه «الحل الأنسب»، و«الأكثر واقعية وقابلية للتطبيق»، وقد سارعت جبهة البوليساريو لاحتواء هذا الموقف بمراسلة الأمين العام، وبتقديم مقترح موسع، لم تكشف عن مضمونه، وإن كان يظهر انفتاحها بطريقة خاصة على مقترح الحكم الذاتي، حيث فسر قادة الجبهة «المقترح الموسع»، بإدماج خيار الحكم الذاتي ضمن مشمولات الاستفتاء الثلاثة ( الانضمام إلى المغرب، أو الاستقلال، أو الحكم الذاتي) في هذا التفسير، وكيف يتم الحديث عن «اقتسام كلفة السلام»، ودعوة المغرب إلى تحملها مع الجبهة، وكيف يتلاءم هذا التأويل مع حديث بعض قيادات الجبهة عن اقتسام ثروات الإقليم بينها وبين الرباط؟
الكثير من المراقبين يتابعون تحركات الرباط والجزائر الدبلوماسية إما لتحصين المسودة أو تعديلها، وفي هذا السياق، يمكن أن ندرج مكالمة وزير الخارجية الجزائري لنظيره الصيني وانغ يي في الوقت قبل الضائع، لمحاولة جر الصين لمربع التأثير على مسودة القرار، ويمكن أن ندرج أيضا جملة تسريبات إعلامية عن حصول توافق على بعض التعديلات الشكلية واللغوية، والتي لا تغير من إطار الحل شيئا، تتعلق بتمديد ولاية المينورسو لستة أشهر بدل ثلاثة، ومحاولة تليين توصيف المقترح المغربي للحكم الذاتي، من كونه «الحل الأنسب والأكثر واقعية وقابلية للتطبيق»، إلى الحل الذي»قد يشكل الحل الأكثر قابلية للتطبيق» مع إضافة فقرتين جديدتين تتعلق الأولى على «ضرورة احترام وقف إطلاق النار وتجنب أي عمل عدائي قد يعرض العملية السياسية للخطر» والثانية بالوضع الإنساني للاجئين الصحراويين، إد تحاول أن تفتح نافذة لتقديم الدعم المالي الدولي، مع التشجيع على تسجيل اللاجئين رسميا.
لحد كتابة هذه السطور، وإلى غاية تأجيل مجلس الأمن التصويت لليوم الجمعة لا شيء من هذه التعديلات مكتوبا باللون الأزرق، مما يعني أنها ليست نهائية، وأن كل شيء وارد بشأنها حذفا أو تعديلا، وأن الأمر لا يزال متروكا للتحركات الدبلوماسية التي تجري في آخر ساعة قبل انعقاد مجلس الأمن.
المؤشرات التي برزت لحد الآن، تبين بأن المغرب قد حسم إلى حد كبير القضية لصالحه، وأن المفاوضات القادمة بين الطرفين، ستكون على قاعدة مقترحه للحكم الذاتي، وأن البوليساريو مدعوة لنسيان خيار الاستفتاء، والتفكير بجدية في إعداد مقترحاتها بشأن إدارة الحكم المحلي ضمن السيادة المغربية، وأن وضعها داخل الجزائر يمكن أن يتحول إلى مشكلة سياسية، فضلا عن علاقاتها مع الجزائر.
أول هذه المؤشرات، أن الجزائر التي دعت إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن لمناقشة نزاع الصحراء على خلفية مسودة قرار الذي قدمته واشنطن، خفضت بشكل كبير نطاق تحركها الدبلوماسي، فلم نشهد أي لقاء رسمي من مستوى عال لا مع موسكو، ولا مع بكين، وقصارى ما تم مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية الصيني، تم إجراؤها في وقت جد متأخر، مما قد يعني بأنها قد خسرت إمكانية تدخل روسيا لتشغيل ورقة الفيتو، وأنها تحركت في اتجاه الصين لإنقاذ الموقف قبل انعقاد الجلسة الحاسمة لمجلس الأمن. والمؤشر الثاني أن التعديلات التي قدمتها، وبشكل خاص، ما يتعلق بتوسيع صلاحية المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، تم رفضها بشكل مطلق، ولم تدمج حتى في النسخة المعدلة، وأن قصارى ما أنتجه تحركها الدبلوماسي، تغييرات لغوية وشكلية لا تأثير لها في الجوهر، بحكم أن القرار، بنسخته الأصلية أو بالتعديلات التي لحقتها، يجعل الحكم الذاتي الإطار السياسي للتفاوض، وينهي حقبة النزاع حول أي الخيارات تشكل قاعدة لحل نزاع الصحراء، وترجح تفسير تقرير المصير بالحكم الذاتي الذي قدم المغرب مقترحا بشأنه سنة 2007 وليس بالاستفتاء الذي تجاوزته الأمم المتحدة.
الجزائر تدرك أن الملف لم يعد فقط يدار دبلوماسيا وأمميا من خلال مجلس الأمن فقط، وإنما أصبح هناك حراك سياسي، مؤطر برؤية استراتيجية، تقوده واشنطن، ولذلك، لم يعد النزاع بالنسبة إليها ملفا تستثمر فيه سياسيا، لخدمة أهداف إقليمية، أو لضبط داخلها السياسي، وإنما صارت له تداعيات على أمنها القومي، فهي تعلم بأنها في حالة مقاومة خطة الإدارة الأمريكية، فقد تلجأ واشنطن لورقة تصنيف جبهة البوليساريو كجماعة إرهابية، بما يعني ذلك مواجهة خيار توصيفها بدعم الإرهاب واحتضانه، وهي تدرك أيضا، أنها أضحت في المنظور الأمريكي، ضمن آخر الأنظمة الشمولية في العالم العربي، ولذلك، تفضل الجزائر دائما أن تنتهج سياسة براغماتية في التعاطي مع واشنطن، بالانحناء للعاصفة حينا، والسعي لاجتذاب دعم روسي أو صيني لامتصاص الضغط عليها حينا آخر، لكن بالنسبة إلى موسكو، فالوضع تغير بشكل كامل، فالجزائر لم تعد حليفا استراتيجيا موثوقا بها، بل هي بالنظر الاستراتيجي تقاوم النفوذ الروسي في منطقة الساحل جنوب الصحراء، وأيضا في ليبيا، وبالأخص شرقها، وهي منذ الحرب الروسية على أوكرانيا تبنت سياسة طاقية مناقضة تماما لمصالح موسكو، وما يدل على ذلك أن موسكو أعادت تعريف مصالحها في المنطقة بشكل كامل، وانعطفت لتمتين العلاقات مع الرباط، في حين، لا يرجى من الصين التي تضع بيضها الاقتصادي والتجاري في كل الاتجاهات أن تحدث تغييرا جوهريا في الملف.
تقديري أن الوضع بعد قرار مجلس الأمن، ولو بإقرار التعديلات على المسودة الأمريكية، سيكون أصعب على الجزائر، سواء في علاقتها بجبهة البوليساريو، التي ستختار التفاوض بشكل مباشر مع المغرب بعيدا عنها مما يجعل مجمل استثمارها السياسي في الملف طيلة نصف قرن دون عائد استراتيجي إقليمي، وهذا ما يفسر ارتباك موقفها، في الإعلان المبدئي الدائم بأنها لا تشكل طرفا في النزاع، وإنما تقدم نفسها بصفة مراقب محايد، وظلت ترفض المشاركة في الموائد المستديرة، لكنها اليوم، وبفعل تطور موقف مجلس الأمن، اضطرت إلى التدخل بوصفها طرفا، وتطالب بأن تكون جزءا من الحوار بين طرفي النزاع إلى جانب موريتانيا. وستكون في الجبهة المقابلة، أمام خيارات صعبة في حال استمرار موقفها التقليدي، إذ يمكن أن تصير جبهة البوليساريو مشكلة أمنية في حال تصنيفها جماعة إرهابية، أو مشكلة سياسية.
بالنسبة للمغرب، فإن كسبه باعتماد المسودة الأمريكية، أو حتى اعتماد المسودة بالتعديلات اللاحقة عليها، لن يكون بمنأى عن تحديات تتعلق بمضمون الحكم الذاتي، خاصة وأن مشروع القرار يتضمن عبارة «حكم ذاتي حقيقي»، فهذا التوصيف الذي يؤطره القانون الدولي، سيبقي المغرب دائما في دائرة الضغوط والابتزاز الدولي، وذلك في غياب أنموذج دولي مرجعي لإدارة الحكم الذاتي، وأن ذلك مرتبط بالتوافق بين طرفي النزاع.
أفضل الحلول، وأقربها لخدمة المصالح المغربية والجزائرية على السواء، أن تتجه الجزائر لحوار جدي ومسؤول مع المغرب لإنهاء هذا النزاع، ضمن السيادة المغربية، وتطرح مطالبها على طاولة التفاوض، فذلك خير، من أن تتدخل أطراف أخرى، وتجعل من القضية ورقة لابتزاز الجميع.
كاتب وباحث مغربي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
                                                                                                                                                     
                                                                                                                                                     
                                                                                                                                                     
                                                                                                                                                     
                                                                                                                                                     
                                                                                                                                                     
                                             
                                             
                                            