من يكون الأسير اليهودي الذي طالبت حماس بإطلاق سراحه؟

أثار الإفراج عن الأسير الفلسطيني نادر صدقة في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، اهتماما واسعا داخل فلسطين وخارجها، ليس فقط لطول مدة اعتقاله التي تجاوزت عقدين من الزمن، بل أيضا لانتمائه الديني النادر، إذ يعد من الطائفة السامرية، أصغر طائفة يهودية في العالم، ورغم ذلك، فقد اختار الانتماء الوطني الفلسطيني طريقاً له منذ شبابه، فكان رمزا لوحدة الهوية الفلسطينية التي تتجاوز الحدود الدينية والطائفية.
ولد نادر صدقة عام 1977 في جبل جرزيم بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية، ودرس التاريخ والآثار في جامعة النجاح الوطنية، حيث بدأ وعيه الوطني يتشكل داخل صفوف جبهة العمل الطلابي التقدمية التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حيث ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، التحق بصفوف الجبهة الشعبية، وسرعان ما برز كأحد القادة الميدانيين لكتائب الشهيد أبو علي مصطفى في نابلس.
واعتقل صدقة شهر غشت من عام 2004، بعد مطاردة دامت قرابة عامين، في مخيم العين بنابلس، ونقل إلى مركز التحقيق الإسرائيلي “بيتاح تكفا” المعروف بقسوته، قبل أن يحاكم بعدة تهم بلغ عددها خمسا وثلاثين، أبرزها التخطيط لهجمات ضد مواقع عسكرية إسرائيلية، وصدر بحقه حكم قاس بلغ ستة مؤبدات و45 سنة إضافية، ليوضع في ردهات السجون الإسرائيلية حتى الإفراج عنه في أكتوبر 2025، ضمن صفقة “طوفان الأحرار”.
وعاش نادر داخل السجن، تجربة استثنائية؛ حيث كان الأسير السامري الوحيد بين آلاف الأسرى الفلسطينيين، إذ ورغم محاولات الاحتلال استغلال هويته الدينية لإظهاره كاستثناء، فإنه رفض الانعزال عن زملائه، وشارك في جميع الإضرابات الجماعية، مقدما نموذجا في الصمود والوعي الوطني، كما أتقن العبرية، فكان وسيطا ناجحا في التفاوض مع إدارة السجون، وتحول إلى شخصية فكرية تحظى باحترام الأسرى كافة، إذ كان يقدم دروسا في التاريخ والسياسة، وكتب نصوصا فكرية ورسومات هربت إلى الخارج، جسدت عمق انتمائه لفلسطين ورفضه لأي شكل من أشكال التطبيع.
وشملت صفقة “طوفان الأحرار”، إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين من أصحاب الأحكام العالية، مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم المقاومة الفلسطينية في غزة، حيث كان إدراج اسم نادر صدقة مطلبا أساسيا لحركة حماس التي أصرت على اعتباره رمزا وطنيا جامعا، ورسالة مفادها أن فلسطين لا تختزل في دين أو طائفة، بل في انتماء واحد عنوانه الحرية.
واليوم، وبعد واحدٍط وعشرين عاما خلف القضبان، خرج نادر صدقة من الأسر ليجسد بوجوده معنى الانتماء الحقيقي، حيث عاش يهوديا في الديانة، فلسطينيا في الهوية، مناضلا في الفعل، ومفكرا في الكلمة، ليصبح بذلك رمزا وطنيا يتجاوز حدود الطائفة، ومثالا للأسير المثقف الذي يثبت أن وحدة الشعب الفلسطيني أقوى من كل محاولات نسفها.