تضمن سباً وشتائم مباشرة .. الجزائر تصدم العالم بخطاب غير مسبوق في تاريخ الأمم المتحدة (فيديو)

شن وزير الخارجية الجزائري "أحمد عطاف"، أمس الإثنين، هجوماً لاذعاً وغير مسبوق على السلطات الانتقالية في مالي، وذلك خلال كلمة له ألقاها أمام أشغال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك. فقد اختار "عطاف"، خلافاً للأعراف الدبلوماسية المعتادة في مثل هذه المنابر الدولية، لغة هجومية صادمة وعبارات أقرب إلى الشتائم السياسية منها إلى الردود الرسمية الرصينة.
وجاء هذا التصعيد امتداداً لأزمة دبلوماسية متفاقمة بين الجزائر ومالي، بدأت منذ اتهام باماكو لجارتها الشمالية بإسقاط طائرة عسكرية دون طيار في أبريل الماضي داخل مجالها الجوي، وهو ما رفضته الجزائر بشكل قاطع مؤكدة أن بيانات الرادار لوزارة دفاعها تثبت العكس، وأن الطائرة المالية هي من انتهكت الأجواء الجزائرية.
وقد تفاقمت هذه الأزمة أكثر بعدما صعّد رئيس وزراء مالي "عبدالله مايغا" من على منبر الأمم المتحدة، متهماً الجزائر بدعم الإرهاب الدولي، وهو ما ردت عليه الجزائر بغضب شديد. وتسببت هذه التطورات في تبادل استدعاء السفراء بين البلدين، وإغلاق مجالهما الجوي أمام الملاحة، كما انضمت النيجر وبوركينا فاسو إلى باماكو في خطوة بدت وكأنها محاولة لتطويق الجزائر إقليمياً.
في سياق متصل، لم يفوت وزير الخارجية الجزائري الفرصة من أجل الرد على ما وصفه بـ"التهجم" الذي صدر عن أحد قادة السلطة الحاكمة في مالي ضد بلاده، حيث قال في هذا الصدد: "إن قمم الوقاحة والدناءة والوضاعة التي تسلّقها هذا الشاعر الفاشل، والانقلابي الأصيل، ما هي إلا هذيان جندي جلف وثرثرته السوقية لا تستحق إلا الاحتقار، ولا تثير غير الاشمئزاز".
وأضاف: "عوض التفوق في فن تعليق شماعة الفضل على الغير، وفن صرف النظر عن كل إخفاقاته، كنا نتمنى ونمني أنفسنا لو أن الجندي الجلف هذا وأمثاله تفوقوا في فنون أخرى أشرف وأنبل وأنفع لمالي".
هذا الهجوم العنيف لـ"عطاف" يعكس بحسب محللين حجم التوتر الذي بلغته العلاقات الجزائرية-المالية في الفترة الأخيرة، حيث انتقلت من تبادل رسائل مبطنة وانتقادات غير مباشرة إلى مواجهة علنية وصدامية أمام أنظار العالم. وهو ما يؤشر على أن الجزائر لم تعد تراهن على لغة البراغماتية الدبلوماسية، بل اختارت منطق التصعيد والمجابهة في لحظة كان المنتظر فيها أن تتحلى بالرصانة وضبط النفس.
وفي قراءة أعمق، شدد مراقبون على أن ما وقع لا يمكن اعتباره مجرد حادث عرضي، بل هو مؤشر على أن الجزائر بلغت مرحلة الفجور في خلافاتها مع محيطها الإقليمي. فحتى "شعرة معاوية" التي تُبقي على الحد الأدنى من التوازن وضبط الأعصاب تم قصّها دون إدراك لخطورة هذا الانزلاق، الذي لا يفاقم فقط عزلة الجزائر، بل يزيد من نفور العالم منها.
كما شددت المصادر ذاتها على أن الأزمة مع مالي ليست إلا حلقة جديدة في مسلسل صدامات مفتوحة مع دول الجوار، بدءاً من المغرب مروراً بتونس وليبيا ووصولاً إلى النيجر، وهو ما يضع الجزائر في صورة الدولة التي خاصمت وعادت كل جيرانها، فاقدة بذلك لأي عمق إقليمي أو حلفاء طبيعيين.
وفي المحصلة، فإن لجوء الجزائر إلى استعمال هذا الخطاب الفجّ في أكبر منبر دبلوماسي دولي لا يقدمها كدولة قادرة على لعب أدوار إيجابية في المنطقة، بل كبلد يغرق أكثر في لغة العداء والصدام. وهو خيار لا ينذر فقط بخسارة ما تبقى من نفوذها الإقليمي، بل قد يقود أيضاً إلى عزلة دولية خانقة، بعدما تحولت دبلوماسيتها من ديبلوماسية الحوار إلى ديبلوماسية الشتائم.