نكاية في المغرب.. الرئيس الجزائري يُلقي خطابًا أغرب من الخيال يؤكد مجددًا أنه يعيش في عالم موازٍ! (فيديو)

أكتوبر 12, 2025 - 14:40
 0
نكاية في المغرب.. الرئيس الجزائري يُلقي خطابًا أغرب من الخيال يؤكد مجددًا أنه يعيش في عالم موازٍ! (فيديو)

من جديد، عاد الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" لإثارة الجدل بعد أن صرّح خلال خطابه، الجمعة الماضي، بمقر وزارة الدفاع الوطني، أن بلاده باتت من كبار المساهمين في "بنك البريكس"، وأن عائدات الفوسفاط ستُعادل مداخيل المحروقات قبل نهاية سنة 2026، مضيفًا بثقة أن الجزائر ستصبح أول دولة منتجة للفوسفاط بكمية 10 ملايين طن سنويًا.

تصريحات "تبون" الجديدة أثارت استغراب كل المراقبين، الذين رأوا فيها استمرارًا لنهج "الإنجازات الوهمية" التي أصبحت سمة الخطابات الرئاسية في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، حيث تُصاغ الشعارات بلغة حماسية بعيدة عن المعطيات الاقتصادية الدقيقة.

في هذا السياق، يرى عدد من المتتبعين أن حديث "تبون" عن الجزائر كأحد كبار المساهمين في بنك البريكس لا يستند إلى أي أساس واقعي. فوفقًا للبيانات المنشورة على الموقع الرسمي لبنك التنمية الجديد (New Development Bank)، وهو الذراع المالي لمجموعة البريكس، لم تُصبح الجزائر عضوًا رسميًا إلا في ماي الماضي، بعد المصادقة على عضويتها بحصة قدرها 6140 سهمًا فقط، تعادل 614 مليون دولار أي بنسبة 1.15% من رأس المال الموقّع، وهي مساهمة متواضعة مقارنة بدول أخرى مثل مصر التي تمتلك 2.24%.

ويشير ذات المراقبين إلى أن الدول المؤسسة للبنك من قبيل الصين، روسيا، البرازيل، الهند، جنوب إفريقيا، ما تزال تمتلك أكثر من 75% من حقوق التصويت، ما يجعل تأثير الجزائر في قرارات البنك شبه رمزي، عكس ما أراد الرئيس تصويره أمام الرأي العام.

ومن جهة أخرى، يعتبر خبراء الاقتصاد أن "المعجزة الفوسفاطية" التي بشر بها "تبون" الشعب الجزائري، لا تتعدى حدود الخطاب الدعائي، إذ تُظهر الأرقام أن مداخيل الجزائر من المحروقات تتراوح بين 35 و40 مليار دولار سنويًا، في حين أن صادرات الفوسفات الحالية لا تتجاوز 2 مليون طن سنويًا.

خبراء في الاقتصاد شددوا على أن تحقيق مداخيل موازية للمحروقات عبر الفوسفاط أمر مستحيل في الأفق القريب، مشيرين إلى أن "سعر الطن في السوق العالمية يتراوح بين 130 و160 دولارًا، ما يعني أن الجزائر تحتاج إلى تصدير أكثر من 260 مليون طن سنويًا لتحقيق رقم يعادل مداخيل الطاقة، وهو ما يفوق قدراتها الإنتاجية بعشرات المرات".

وفي سياق متصل، تُشير معطيات من تقارير دولية حديثة، بينها تقارير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS)، إلى أن ترتيب الجزائر في إنتاج الفوسفاط يبقى هامشيًا مقارنة بكبار المنتجين في العالم. فالصين مثلا، تتصدر القائمة بإنتاج يتجاوز 90 مليون طن سنويًا، يليها المغرب بحوالي 40 مليون طن وباحتياطي عالمي ضخم يمثل 70% من الإجمالي العالمي، فيما تنتج الولايات المتحدة أكثر من 20 مليون طن، والسعودية حوالي 10 ملايين طن.

ذات المهتمين يؤكدون أن "الجزائر، حتى لو بلغت سقف إنتاج 10 ملايين طن الذي تحدث عنه تبون، فلن تتجاوز المرتبة الخامسة عالميًا"، مشيرين إلى أن "احتياطي الجزائر من الفوسفاط، المقدر بنحو 3 مليارات طن، لا يمنحها أفضلية تنافسية أمام المغرب أو الصين".

أما مشروع "الفوسفاط المدمج" الذي تراهن عليه الحكومة الجزائرية في ولاية تبسة، فيؤكد اقتصاديون أنه ما يزال في مرحلة الإعداد ولم يدخل بعد مرحلة الإنتاج الفعلي رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على الإعلان عنه. ويعتبر باحثون في المجال أن "النظام الجزائري يحاول استثمار هذا المشروع لإضفاء شرعية اقتصادية على خطاب سياسي مأزوم، في وقت ما تزال فيه أغلب المشاريع الكبرى مؤجلة أو عالقة على الورق".

وفي مفارقة لافتة، توقف مراقبون عند التناقض الصارخ في خطاب "تبون"، حين أعلن في بداية خطابه أن الجزائر "لن تلجأ إلى الاستدانة أبدًا"، قبل أن يعود بعد دقائق ليقول إن "الاقتراض ممكن من أجل مشاريع ذات مردودية عالية"، في إشارة واضحة إلى الفوسفاط.

إلى جانب ذلك، يشدد ذات الخبراء على أن هذا التناقض "يعكس ارتباكًا في الرؤية الاقتصادية، فالرئيس يريد من جهة أن يُظهر الجزائر كقوة مالية قادرة على تمويل مشاريعها بنفسها، لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام القروض الخارجية عندما يتعلق الأمر بوعود تحتاج إلى تمويل غير متاح".

ويرى متابعون للشأن الجزائري أن خطاب تبون الأخير يدخل ضمن سلسلة من الرسائل الدعائية التي تُقدَّم على أنها إنجازات وطنية، لكنها في العمق تندرج ضمن محاولة خلق "وهم الاستقرار والازدهار" قبيل الاستحقاقات المقبلة.

وبينما تواصل وسائل الإعلام الرسمية الترويج لصورة "الجزائر الجديدة القوية"، تكشف الأرقام الصادرة عن مؤسسات مالية دولية أن الاقتصاد الجزائري ما يزال يعاني هشاشة بنيوية، وانكماشًا في قطاعات حيوية، وتراجعًا في الاستثمارات الخارجية المباشرة.

وبهذا، يُجمع ذات المراقبين على أن خطاب "تبون"، بدل أن يُقنع الجزائريين بواقعية طموحاته، زاد من قناعة الرأي العام بأن السلطة في الجزائر ما تزال تراهن على لغة الوهم بدل لغة الأرقام، وعلى صناعة الزعامة بالشعارات بدل صناعة التنمية بالفعل.