أشهر قبل رمضان.. مطالب بإعمال بند أساسي في دفتر التحملات للقطع ما إنتاجات "الحموضة" التي أغضبت الجمهور

يشهد المشهد التلفزيوني المغربي منذ سنوات نقاشاً محتدماً حول جودة الأعمال المقدمة، خصوصاً خلال شهر رمضان الذي يمثل المحكّ الحقيقي لتفاعل الجمهور مع الإنتاجات الوطنية. فالتعليقات السلبية المنتشرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، والانتقادات المتكررة من طرف نقاد ومهتمين بالشأن الإعلامي، تعكس بوضوح اتساع الفجوة بين ما ينتظره المشاهد المغربي وبين ما تقدمه شركات الإنتاج تحت رعاية القنوات العمومية.
وارتباطا بما جرى ذكره، يؤكد هؤلاء النشطاء أن جوهر الإشكال يكمن في إغفال بند أساسي منصوص عليه في دفاتر التحملات، وهو "قياس مدى رضا الجمهور" على الأعمال المعروضة عبر القنوات العمومية المغربية، والاكتفاء فقط باستعراض نسب المشاهدة التي لا تعكس، برأيهم، حقيقة الموقف من الإنتاجات التلفزيونية.
في سياق متصل، يرى ذات المهتمين، أن الاكتفاء بالمؤشرات الرقمية المرتبطة بنسب المشاهدة يعكس مقاربة قاصرة، مشددين على أنه لا توجد علاقة حتمية بين حجم المتابعة ودرجة الرضا أو القبول، في إشارة إلى أن الأعمال التلفزيونية قد تُتابَع بكثافة نتيجة توقيت البث أو قوة الدعاية، لكنها لا تحقق بالضرورة إشباعاً فنياً أو مضموناً هادفاً. وهذا ما يفسر – في نظرهم – استحواذ شركات إنتاج بعينها على صفقات برامج ومسلسلات بملايين الدراهم كل سنة رغم تعرضها لانتقادات واسعة، بينما تظل شركات أخرى أكثر جدية وإبداعاً على الهامش. الأمر الذي يثير، حسب النشطاء، تساؤلات مشروعة حول المعايير الحقيقية التي تحكم منح الصفقات، وحول أسباب تمتع شركات بعينها بحظوة استثنائية لدى مسؤولي التلفزيون.
ويرى هؤلاء أن الرهان على معيار "قياس رضا الجمهور" يتجاوز مجرد تقنية إحصائية إلى كونه آلية لضمان عدالة تنافسية داخل سوق الإنتاج التلفزيوني، مؤكدين أنه إذا جرى اعتماد سلم تنقيطي يرتكز على تقييم المشاهدين، سواء عبر استطلاعات الرأي العلمية، أو تحليل التفاعل على المنصات الرقمية، أو من خلال هيئات مستقلة، فإن توزيع العقود لن يكون خاضعاً للعلاقات أو الترتيبات المسبقة، بل رهيناً بجودة المنتوج وقدرته على إقناع الجمهور. وهو ما من شأنه – بحسبهم – أن يغير قواعد اللعبة، ويدفع شركات الإنتاج إلى التهافت على أمهر المخرجين والممثلين والتقنيين، وتقديم أجور محفزة وضمان ظروف إنتاجية أفضل، في سبيل كسب رضا المشاهد الذي سيغدو المعيار الحاسم لتجديد العقود مستقبلاً.
وبالنسبة لذات النشطاء، فإن اعتماد هذا المنطق يجعل المشاهد المغربي هو المستفيد الأول، لأنه سيحصل على إنتاجات تراعي ذوقه وتطلعاته بدل فرض أعمال سطحية أو مكرورة. كما سيستفيد الحقل الفني برمته عبر توسيع فرص الشغل أمام الطاقات الجديدة، وتوزيع الموارد المالية بشكل أكثر توازنًا بين الشركات، ما يسهم في تنشيط الصناعة الثقافية. وفي المقابل، ستتراجع حظوظ تلك الشركات التي اعتادت على احتكار العقود الكبرى رغم محدودية منتوجها، إذ لن يكون بمقدورها الاستمرار من دون تطوير جودة أعمالها والارتقاء إلى مستوى تطلعات الجمهور.
ويخلص هؤلاء النشطاء والمهتمون إلى أن الخروج من الحلقة المفرغة التي يعيشها المشهد التلفزيوني المغربي يمر أساساً عبر إعادة الاعتبار للمشاهد باعتباره الحكم النهائي على قيمة أي عمل. فالرهان لم يعد – في رأيهم – على نسب مشاهدة يمكن أن تُضخَّم أو تُقرأ بانتقائية، بل على بناء علاقة ثقة بين الجمهور والمؤسسة الإعلامية، قوامها الإنصات والاستجابة والتطوير المستمر. ومن ثَمّ، فإن تفعيل آلية قياس رضا الجمهور ليس مجرد إجراء إداري مؤجل، بل خطوة إصلاحية استراتيجية تضمن استدامة التلفزيون العمومي كمرفق يخدم الصالح العام ويعكس تنوع المجتمع المغربي وطموحاته.
وعلى ضوء كل هذه المعطيات، يوجّه النشطاء دعوة صريحة إلى مسؤولي القطب العمومي للإسراع بتفعيل هذا المقتضى، بدل الاكتفاء بترحيله من موسم إلى آخر. فالمطلوب اليوم هو قرار شجاع يضع الجمهور في قلب المعادلة، ويعيد الاعتبار لمبدأ المنافسة الشريفة بين شركات الإنتاج، بعيداً عن منطق الريع الثقافي الذي أضر كثيراً بصورة التلفزيون المغربي. المسؤولية هنا ليست تقنية فحسب، بل أخلاقية وسياسية أيضاً، لأنها ترتبط بكيفية تدبير المال العمومي وضمان حق المواطنين في إعلام عمومي يليق بتطلعاتهم.