احتجاجات جيل Z .. بأي خلفية وبأي افق؟

سبتمبر 30, 2025 - 17:30
 0
احتجاجات جيل Z .. بأي خلفية وبأي افق؟

عشية يومي السبت والأحد، عاشت بعض المدن المغربية هبات احتجاجية، قادها شبابا في مقتبل العمر، رفعوا مطالب اسقاط الفساد، والحق في الوصول الى خدمات عمومية بشكل عادل ومتاح ،وغيرها من المطالب الأخرى ذات البعد الاجتماعي الصرف ،فقبيل هذا الموعد اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي دعوات مفتوحة ،من اجل المشاركة في هذه المسيرات داخل الميادين العامة بكل المدن المغربية ،في سياق التعبير عن الرفض المطلق لكل السياسات  التي تمس بجودة ومضمون الخدمات العمومية، وعلى وجه التحديد ،الحق في الصحة والحق في الشغل والحق في التعليم، وكذلك من اجل اثارت انتباه المسؤولين على ضرورة العمل من اجل تدارك النقص الكبير في مجال هذه الحقوق الاساسية ،والعمل على إصلاح الإدارة ومحاربة الفساد ،بالمقابل تم التعامل بصرامة كبيرة، من قبل القوات العمومية، في مواجهة هذه الاحتجاجات، لكونها لم تختار المسار القانوني ،ولا تتوفر على ترخيص مسبق ،الشيئ الذي أدى الى نشوب اصطدامات ومناوشات ما بين هؤلاء الشباب وبعض قوات الامن العام ،كما تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تظهر  حجم التدخل والمطاردات بالشوارع ،بغرض فض التجمهر وتحرير الساحات العامة .


ان استقراء الوضع لا يقودنا الى القول بان الاحتجاج حق مكفول دستوريا، وان تطلع الشباب ومطالبهم جد مشروعة، بل يتطلب فهم الدواعي التي الت الى هكذا الوضع، واعطت الانطباع بان الاحتجاج ما هو الا عنوان لازمة بنيوية داخل النسق المجتمعي، ولعل محاولة فهم هذه الأسباب، والتي نرى من وجهة نظرنا انها تنقسم الى مستويين، المستوى المضمر، والذي يتعلق بالجوانب الموضوعية المساهمة في تأجيج الاحتجاجات، ثم المستوى المعلن، ويتعلق بطموحات وتطلعات الشباب في ظل الوضع المجتمعي الحالي.


1 الجوانب المضمرة في احتجاجات جيل Z
 يجمع الكل على ان بزوغ الفعل الاحتجاجي كيفما كان، يعد عنوانا لازمة قائمة استعصى حلها، ولعل خروج المئات من الشباب الى الاحتجاج في الشارع العام، ما هو الا تكريس لهذا الواقع وتعبير عن وجود ازمة حقيقة داخل المجتمع، وبالتالي لم يعد هناك اي افق لحلها، سوى سلوك خيار الاحتجاج، فبغض النظر عن الخلفيات والبواعث التي تتعدد زوايا النظر حولها، وتختلف التقديرات بشأنها. يتطلب الوضع منا البحث والغوص وراء الاختلالات التي تعتري المنظومة المجتمعية بكل تمفصلاتها، لإدراك المسببات التي ساهمت في تنامي الفعل الاحتجاجي لدى فئة الشباب. كما يجدر بنا التساؤل من داخل المنظومة المجتمعية، عن دور الهيئات والمؤسسات التي يمكن ان تحتضن هذه المطالب وتؤطر هذه الفئة؟؟

 
اكيد ان الإجابة عن السؤال يتطلب  البحث عن ادوار  المؤسسات النقابية والحزبية  داخل المجتمع، وغاياتها الدستورية ،فلا يمكن اليوم التسليم بوجود ازمة داخل المجتمع من هذا القبيل، دون استحضار قيمة العمل الحزبي والنقابي ،فغياب التأطير الكافي للشباب ،وتمييع الممارسة الحزبية، من خلال تفشي الزبونية وتغليب المصالح الضيقة ،وغيرها من الممارسات التي افرغت المؤسسة الحزبية والنقابية من كنهها ،وابقت الشباب بتطلعاتهم وامالهم خارج الحسابات ، فهذه العوامل وغيرها، تعد من الدوافع الغير مباشرة التي تغدي ثقافة الاحتجاج ،فبدل توجيه الشباب نحو المؤسسات الحزبية والنقابية وتعبئتهم  وتأطيرهم و تمكينهم من الوعي الكافي يساعدهم على ادراك الواقع بتعقيداته ، و امتلاك القدرة على صياغة المطالب المشروعة، بالاعتماد على الادوات المعرفية والعلمية المؤطرة لتلك المطالب ، في افق بلوغ مستويات عالية من النضج ،تساهم في  انتاج  القرار المعبر عن كل تلك الحاجيات، في ظل سيادة  الديموقراطية والشفافية في جميع المجالات  .بالمقابل أضحت الثقة في تلك المؤسسات شبه معدومة ،ولم يعد للشباب متسع ارحب من الشارع، فرغم الحضر والمنع من قبل السلطات العمومية ،يبقى الإصرار والمواجهة  داخل الميدان خيارا لا محيد عنه ، ويعطي انطباعا على ان المقاربة الأمنية هي اللغة الطاغية، في حين كان من الأولى تجنب الوقوع في هذا المطب ،اذا ما اشتغلت الأجهزة الحزبية والنقابية والمدنية على حد سواء، من اجل الاقتراب اكثر من واقع الشباب، واحتوائهم بكل تطلعاتهم، مهما اختلفت وتباينت ،ذلك ان الاشتغال في هذا المجال وفق الكيفية المعقولة، وبالوسائل المشروعة، مهمة غاية في الاهمية ،لذلك نتساءل اليوم ،عن الغاية من وجود هذه المؤسسات، ان لم تكن قادرة على لعب هذه الأدوار، والترافع عن القضايا الانية والملحة، ومنها الملفات المطلبية ذات الصبغة الاجتماعية ،فلعب  هذه الأدوار، بقدر ما يعطي للمؤسسة السياسية او النقابية مكانة بارزة في المجتمع ، بقدر ما يجنب الدولة والمجتمع ككل ،الوقوع في هذه المنزلقات  الخطيرة ،لقد اصبح الوضع يدعو بشكل اكثر الحاحا، من اجل  إعادة النظر في مفهوم الحزب والنقابة، وإعادة النظر في البنية الدهنية السائدة داخليهما ،وتغيير قواعد الاشتغال التي أصبحت متجاوزة ولا تفي بالغرض.

2  الجوانب المعلنة في احتجاجات جيل Z
تعددت الوسائط الناقلة لهذه الاحداث ،ولم يظهر سوى  التعنت الذي ابداه المحتجون رغم قرار المنع، وتدخل قوات الامن، والتي تعكس حجم الياس والرفض اللذان بلغهما الشباب المحتج ،بالموازنات مع هذا الوقائع،  تتصاعد وثيرة الاحداث المأساوية للشباب الراغب في الهجرة، خصوصا الى مدينة سبة المحتلة عبر البحر، غير مبالين بالخطر المحدق ،ولا حتى بالمشاهد الصادمة، المتناقلة عبر الأخبار المتداولة لحوادث الغرق المسجلة على امتداد شهور عدة  ،غير مبالين بكل هذه الاكراهات، يملئهم الإصرار نحو  الوصول الى الضفة الأخرى ،بغاية الهروب من الواقع المعيش  في بلدهم الام ،هذه الوقائع ورغم التباين الكبير بينها وبين الاحداث الاحتجاجية  الأخيرة، لا من حيث سياقاتها ولا مضمونها،  لكنها تتحد في نقطة أساسية ،هو حجم الرغبة في تغيير الواقع ،جراء الاحساس باليأس،  وانعدام الثقة وانسداد الأفق ،فحتى لا نسقط في  الاحكام القيمية ،ونعطي للوقائع تأويلات بعيدة وغير منطقية، يبقى من حقنا القول، ان هذه الهبة الاحتجاجية ،تعبر بما لا يدع مجال للشك، عن طفرة متصاعدة من ثقافة الاحتجاج داخل صفوف الشباب ، تحركهم الرغبة في التغيير نحو واقع افضل، يعمه الامل في غذ افضل، ويحتوي كل تطلعاتهم ورغباتهم. فالشعارات التي صدحت بها حناجر الشباب خلال تلك المسيرات، تؤكد بوضوح ان المنطلق هو تحقيق فرص للعيش الكريم، واحقاق الكرامة والعدالة الاجتماعية وفقط  ، ان الوقوف عند هذه المحطة والبحث عن الصيغ الممكنة من اجل إيلاء الاهتمام لهذه الفئة، وابعادهم عن   كل الاخطار المحدقة بهم ،والغايات الممكن ان تستغلهم شر استغلال ،كما  يجب  الدفع في اتجاه صيانة حقوق الشباب، وخصوصا الحق في الولوج الى الخدمات العمومية والحق في الشغل ،والحق في التنظيم ،وإيجاد الفضاءات العمومية الكفيلة باحتواء همومهم وقضاياهم ، بالنظر لدور هذه الفئة الكبير في البناء الحضاري للمجتمع من مختلف المستويات والجوانب ،كما يجدر بنا التذكير، ان تغييب الحاضنة المؤسساتية لهؤلاء الشباب ] الأحزاب . النقابات. جمعيات المجتمع المدني [، عوضتها منصات التواصل الاجتماعي على اختلاف اصنافها وتنوعها، حيث  أصبحت هي الملاذ الامن لهؤلاء الشباب، وفضاء لتبادل الأفكار والاطاريح ،ومناقشة كل القضايا التي تهمهم ،فلا يمكن الاستغناء عن هذه الوسائط بالنظر الى المزايا التي أصبحت تقدمها هذه الأخيرة، سواء من ناحية التواصل والتثقيف وايصال المعلومة، بل حتى التعبئة ,لكن لابد من إعادة النظر في الوظيفة التاطيرية والتعبوية للأحزاب والنقابات،  من اجل لعب دورها في هذا المجال، فوجود الأحزاب  او النقابات داخل المجتمع ليس تأثيث للمشهد العام ،بل يعد ضرورة مجتمعية من اجل خلق التوازن ،الذي لا يمكن الحصول عليه الا في ظل اشتغال هذه الأجهزة بروح وطنية، ونفس عالي يجعل من المصلحة العامة هي القاعدة الأساس .