كيف لمن اتُّهم بـ"الخيانة" أن يستفيد من العفو؟.. "مقري" يفجرها مدوية في وجه الكابرانات بعد إطلاق سراح "صنصال"!

في مشهد مخز يكشف حجم الارتهان الخارجي الذي بات يطبع قرارات النظام الجزائري، أثار الإفراج المفاجئ عن الكاتب بوعلام صنصال، المتهم رسميًا بـ"الخيانة" والإساءة لرموز الدولة، موجة من التساؤلات والغضب داخل الأوساط السياسية والفكرية الجزائرية، خاصة بعدما كشفت معطيات متقاطعة أن القرار جاء تحت ضغط أوروبي مباشر، بتنسيق ألماني ووصاية فرنسية غير معلنة.
الدكتور عبد الرزاق مقري، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم والأمين العام لمنتدى العالم الإسلامي للفكر والحضارة، فجّر الموقف بتدوينة نارية اتهم فيها السلطة بـ"الخضوع المذل" للإملاءات الخارجية. واعتبر أن إطلاق سراح صنصال بعد تدخل أجنبي ليس مجرد إجراء قضائي، بل "مصيبة أعظم"، لأنها تبرهن – حسب تعبيره – على أن من تُلصق بهم تهم الخيانة قد يكونون في مأمن بفضل حماية دولية، في حين يُترك المعارضين الوطنيين والإسلاميين الصادقين خلف القضبان دون سند ولا شفاعة.
مقري أشار إلى أن التدخل الألماني في الملف لم يكن سوى غطاءً دبلوماسيًا لتدخل فرنسي مباشر، مؤكداً أن جريدة لوموند كشفت يوم 11 نوفمبر أن رئيس المخابرات الخارجية الفرنسية أكد وجود "إشارات إيجابية" من الجزائر لاستئناف الحوار، مقابل إطلاق سراح صنصال والصحفي الفرنسي كريستوف. ويضيف مقري أن برلين تولّت إدارة الواجهة فقط، لتجنيب نظام الكابرانات الحرج أمام الرأي العام الداخلي وإخفاء طابع الخضوع للإملاءات الباريسية.
الأخطر في نظر مقري هو التناقض الفاضح في سلوك السلطة الجزائرية: فمن يُتّهم بالخيانة ويقر علنًا بأنه التقى بإسرائيليين خلال مهامه الرسمية، ويصرّح بأن "نصف الجزائر ملك لدولة أخرى"، يُفرج عنه بتدخل أجنبي، بينما يظل رموز التيار الوطني أمثال الصحفي عبد الوكيل بلام والدكتور محمد بلغيث يقبعون في السجون بتهم تتعلق بحرية التعبير والمواقف السياسية.
ويرى مقري أن هذه الازدواجية في المعايير تعبّر عن "انقلاب في سلم القيم" داخل الدولة الجزائرية، حيث تحولت المعارضة الفكرية والسياسية المشروعة إلى جريمة، بينما صار التطبيع مع الخارج والخضوع للإملاءات الأجنبية هو الطريق الآمن للنجاة.
بالنسبة لكثير من المراقبين، فإن قضية بوعلام صنصال تكشف عن نقطة ضعف استراتيجية في منظومة الحكم العسكري الجزائري، التي باتت عاجزة عن التوفيق بين خطابها السيادي الحاد وبين واقعها الدبلوماسي الهش، إذ تخضع لأقل ضغط أوروبي حين يتعلق الأمر بمصالح فرنسا أو برموزها الثقافية.
ختامًا، فإن الإفراج عن صنصال، الكاتب الذي أثار غضب الجزائريين حين قال إن "مدنًا مغربية منحتها فرنسا للجزائر"، لا يمكن قراءته إلا كصفعة جديدة لخطاب "السيادة الوطنية" الذي يتغنّى به النظام العسكري. فحين يُكرَّم من يُتهم بالخيانة وتُسحق كرامة الأوفياء لوطنهم في الزنازين، لا يعود من معنى للسيادة سوى الشعارات الفارغة.