من واقفٍ على قدميه إلى كرسي متحرك… حكاية "محمد أبو العز" التي تفضح التعذيب داخل سجون الاحتلال
لم يتجاوز محمد نسيم يوسف أبو العز الثامنة عشرة حين اعتقلته قوات الاحتلال. كان يمشي على قدميه، يخطّ أحلامه الأولى، قبل أن ينقلب كل شيء بعد السابع من أكتوبر. وما بين الاعتقال والضرب المتواصل، تحوّلت حياة الشاب الفلسطيني إلى صراع يومي بين الألم والإرادة.
- 2025/12/03 - 11:25
- الأخبار الشرق الأوسط
لم يتجاوز محمد نسيم يوسف أبو العز الثامنة عشرة حين اعتقلته قوات الاحتلال. كان يمشي على قدميه، يخطّ أحلامه الأولى، قبل أن ينقلب كل شيء بعد السابع من أكتوبر. وما بين الاعتقال والضرب المتواصل، تحوّلت حياة الشاب الفلسطيني إلى صراع يومي بين الألم والإرادة.
يقول محمد، الأسير المحرر المقعد: «كنت طالع من زيارة المحامي… وأنا راجع ضربوني على ظهري. حسّيت بوجع غريب، ولما وصلوني على القسم صار الألم يزيد. بعد فترة اكتشفت إنّه الوجع مش عادي… كان الكسر يكبر ويقطع من النخاع الشوكي. كنت أصرخ، أتوسّلهم يعالجوني، بس محدش سمع. لحد ما فقدت الإحساس برجليّ، وصرت عاجز… لا حركة ولا إحساس.»
.
لم تكن الضربة مجرد إصابة؛ بل كانت تحوّلاً قاسيًا في حياة فتى اعتُقل واقفًا، وخرج عاجزًا على كرسي متحرك. الهجمات الوحشية التي تعرّض لها داخل الزنازين أدّت إلى قطع كامل في النخاع الشوكي، تاركةً الجزء السفلي من جسده بلا حركة وبلا إحساس.
حين خرج محمد من السجن زرناه. جلس أمامنا على كرسيه المتحرك، وقدماه ساكنتان، وصحته في تراجع، لكن صوته ظل ثابتًا، وإيمانه لا يتزعزع.
«الحمد لله… رضى الله فوق كل شيء. الإنسان بعيش، وبقوم. وأنا رح أرجع أوقف على رجلي، لو شو ما صار» يقول محمد بثقة هادئة، وكأنه يحرس شرارة الحياة التي لم تُطفأ رغم كل شيء.
والدته، ميرا كراكرة، وهي تنظر إليه بعينين مثقلتين، تقول: «أول ما حضنته قلت له: إنت أسد. اللي شافه محمد مش قادر يشوفه زلمة أكبر منه سنين. اللي عاشه ما بتحملوه رجال كبار. ابني محبوب، قوي، وما، شاء الله، ما عمره تركنا نحتاج حد… والحين أنا اللي واقفة أسانده، بس والله هو اللي بيساندني بمعنوياته.»
إلى جانب الأم يقف زوجها أسعد نخلة، الذي كان صوته مزيجًا من الغضب والحزن: «محمد الوحيد اللي عندي زي ولادي… والله إنه أغلى. اللي صار معه ما بصير يصير بحدّ. ابني طلع أسد، ورح يكمل أسد. وإحنا وراه لآخر الطريق لحد ما يرجع يمشي.»
هذه العائلة تحاول لملمة ما تبقى من حياة فتى عاد من السجون مُثقلاً بالأوجاع، لكن محمولًا على عزيمة لا تشبه إلا صلابته. وبينما يقاتل محمد اليوم بطريقته—بالصبر، وبقلب يعرف أن العدالة وإن تأخرت ستصل—يبقى المشهد أكبر من حكاية فردية.
محمد أبو العز اعتُقل وهو يمشي على قدميه… وخرج على كرسي متحرك.
قضيته شهادة حيّة على ما يتعرّض له الأسرى الفلسطينيون داخل سجون الاحتلال من تعذيب وإهمال طبي ممنهج، يدفع شبانًا في عمر الورد إلى شللٍ دائم ومعاناة لا تنتهي.
/انتهى/