تبون يثير جدلا واسعا في الجزائر بسبب قرار جديد يهدد باستفحال ظاهرة "البطالة"

نوفمبر 17, 2025 - 11:35
 0
تبون يثير جدلا واسعا في الجزائر بسبب قرار جديد يهدد باستفحال ظاهرة "البطالة"

تعيش الجزائر منذ أمس الأحد على وقع جدل واسع عقب إعلان الحكومة عزمها رفع منحة البطالة لتقترب قيمتها من الحد الأدنى للأجور، في خطوة وصفها البعض بأنها اجتماعية، بينما اعتبرها آخرون مؤشراً على تعميق ثقافة الاتكال في المجتمع.

 وفي الوقت الذي تزعم فيه الحكومة الجزائرية أن الهدف الأساس من هذه الزيادة هو دعم الشباب العاطل عن العمل ومساعدته على مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة، يتساءل عدد من المحللين وخبراء الاقتصاد: هل هذه الخطوة تشجع الشباب فعلا على العمل والإنتاج، أم أنها تجعل البطالة خياراً راسخا ومريحا في ذهن المواطن الجزائري؟

ويرى العديد من الخبراء أن رفع منح البطالة بهذا الشكل يرسل رسالة غير صحيحة للمجتمع. فالمنحة، رغم اشتراطاتها المتعددة—مثل التسجيل في الوكالة الوطنية للتشغيل لمدة ستة أشهر على الأقل، وغياب أي دخل شهري، وعدم الالتحاق بالتعليم أو التكوين، وقبول عروض العمل والتكوين—قد أصبحت في بعض الحالات منافساً مباشراً للأجر الأدنى، بحيث يجد الشباب أن البقاء في المنزل يوفر له دخلاً قريباً جداً مما قد يحصلون عليه في عمل شاق ومتقلب. هذا، بحسب المحللين، يعمق اعتماد الشباب على الدولة بدل تحفيزهم على الانخراط الفعلي في سوق العمل.

في سياق متصل، تشير تحليلات أخرى إلى أن هذه السياسة ليست معزولة عن السياق الاجتماعي والتاريخي للبلاد. فاعتماد الشباب على الدعم المباشر، وتحويل البطالة إلى وسيلة دخل، يعكس استمرار نهج تاريخي في التعامل مع الموارد والدخل على أساس "الأخذ بلا مقابل"، وهو ما يراه محللون امتداداً لثقافة الاتكال التي ورثها المجتمع عبر أجيال. وينبه ذات الخبراء إلى أن هذا النهج يظهر أيضاً في سلوكيات الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، حيث يلجأ البعض للبحث عن إعانات أو فرص سهلة لتأمين الدخل، بدلاً من الانخراط في سوق العمل.

من الناحية الاقتصادية، يشير ذات المحللين إلى أن رفع المنح والأجور بلا مرافق إنتاجية أو برامج لتوسيع سوق العمل قد يؤدي إلى آثار سلبية، أبرزها تضخم الأسعار وابتلاع الزيادات من قبل السوق قبل أن تصل فعلياً إلى المستفيدين.

 ويرى خبراء آخرون أن أي خطوة مالية من هذا النوع، إذا لم تصاحبها إصلاحات حقيقية في الاقتصاد الوطني، قد تتحول إلى عبء إضافي على ميزانية الدولة، خصوصاً في ظل عجز مالي يصل إلى مستويات قياسية.

في مقابل ذلك، يؤكد خبراء أن الحل الحقيقي يكمن في خلق فرص عمل مستدامة، وتوسيع القدرة الإنتاجية، وتشجيع ريادة الأعمال، وتحفيز المؤسسات على الاستثمار والابتكار، بدل الاكتفاء برفع المنح كحل مؤقت. فبدون سوق عمل قادر على الاستيعاب، وأدوات إنتاجية فعالة، ستظل أي زيادة في الدخل مؤقتة وستفقد تأثيرها أمام ارتفاع الأسعار والتضخم، فيما تستمر ثقافة الاتكال في التمدد.

الخلاصة، بحسب ذات الخبراء، أن الجزائر اليوم بحاجة إلى سياسات اقتصادية واجتماعية تستثمر في الإنتاج وتخلق الوظائف، لا إلى منح تزيد من الاعتماد على الدولة، وتكرس سلوكيات تقود إلى ضعف القدرة الإنتاجية والاجتماعية على حد سواء، مشددين على أن الدولة مطالبة بأن تجعل الشباب قوة إنتاجية، وليس مجرد مستفيدين من الدعم المباشر، وإلا سيستمر الاقتصاد في التدهور، وستستمر البطالة كخيار "آمن" بدل أن يصبح العمل والإنتاج هما المعيار الحقيقي للحياة الكريمة.