بوادر انهيار النظام العسكري الجزائري.. الجزائر تغرق في مستنقع الفشل
_1765548631.webp)
في 31 أكتوبر 2025، هز الزلزال الدبلوماسي الأعنف تاريخ النظام العسكري الجزائري الحديث، قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797 جدد مهمة بعثة «مينورسو» لمدة سنة كاملة حتى 31 أكتوبر 2026، لكن الجديد المدمر هو النص الصريح الذي صاغته الولايات المتحدة بنفسها: النزاع في الصحراء المغربية نزاع إقليمي بالأساس، والجزائر ليست مجرد «دولة مجاورة» كما روجت لنفسها منذ عقود، بل طرف رئيسي غير محايد على الإطلاق. اختارت الجزائر – رغم وجودها كعضو غير دائم في المجلس – ألا تشارك في التصويت أصلاً، وهي سابقة تفسر على أنها اعتراف ضمني بالهزيمة.
هذا القرار دعا إلى استئناف مفاوضات «واقعية وعملية وروح توافق» على أساس مقترح الحكم الذاتي المغربي كالإطار الوحيد المقبول دولياً، ما يعني عملياً دفناً نهائياً لخيار «تقرير المصير» الذي ظلت الجزائر تراهن عليه، تموله، تسلحه، وتضحي من أجله بمليارات الدولارات من قوت شعبها على مدى خمسة عقود كاملة. صفعة تاريخية لدبلوماسية أنفقت أكثر من 50 مليار دولار على جبهة البوليساريو: تدريب أكثر من 10 آلاف مقاتل، تزويد بالأسلحة الثقيلة، وقود مجاني، دعم لوجستي كامل، تحويل معسكرات تندوف إلى كيان شبه دولة، وكل ذلك لتجد نفسها اليوم في أضعف لحظاتها الدبلوماسية على الإطلاق. رفضت الجزائر والبوليساريو القرار علناً، لكن امتناع الجزائر عن التصويت داخل القاعة كان أبلغ من أي بيان. حتى محاولتها اليائسة لتعديل النص العربي من «الأطراف» إلى «الطرفين» لاستبعاد اسمها صراحة أدت إلى تأخير نشر الوثيقة الرسمية 24 يوماً غير مسبوقة، ثم فشلت فشلاً ذريعاً.
ليس قرار الأمم المتحدة رقم 2797 إخفاقاً منفرداً، بل حلقة في سلسلة طويلة بدأت مع قرار 2440 عام 2018 الذي حدد الجزائر طرفاً رئيسياً لأول مرة، واستمرت مع رفضها المتكرر لدعوات الأمين العام أنطونيو غوتيريش للمشاركة في طاولات الحوار المباشر. في تقاريره لعام 2025، عبر غوتيريش عن «قلق عميق» من الجمود ودعا صراحة إلى حل واقعي على أساس الحكم الذاتي المغربي. في المقابل، تجاوز عدد الدول الداعمة للموقف المغربي 118 دولة، من بينها الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، إسبانيا، هولندا، والعديد من الدول الإفريقية والعربية التي فتحت قنصليات في العيون والداخلة. حتى ندوة «عملية وهران» التي استضافتها الجزائر في 1-2 دجنبر 2025 تحولت إلى منصة دعائية للبوليساريو بدلاً من مناقشة الإرهاب والنزاعات الحقيقية في الساحل والصومال وليبيا، مما يعزز صورتها كلاعب هامشي يعتمد على الدعاية بدلاً من الشراكات الحقيقية، مقابل التحالفات المغربية العابرة للقارات التي تعزز الاستقرار الإقليمي.
ويزيد من تعقيد هذا الوضع الدبلوماسي أزمات داخلية متراكمة تواجه النظام العسكري الجزائري، حيث سجل الدينار الجزائري تراجعاً حاداً في 2025 مدفوعاً بتقلبات أسعار النفط العالمية واعتماد الاقتصاد المفرط على الهيدروكربونات، مع وصول سعره في السوق السوداء إلى حوالي 282 دينار مقابل اليورو في نونبر، مقابل معدل رسمي يقارب 145 دينار فقط، مما يعكس فجوة تصل إلى 66% ويفاقم الضغوط على الاقتصاد غير الرسمي الذي يتجاوز 7 مليارات دولار سنوياً. هذا الانهيار النقدي جاء مصحوباً بعجز ميزاني هائل بلغ 10.5 مليار دولار في النصف الأول من 2025، مدفوعاً بانخفاض إيرادات الهيدروكربونات وارتفاع الإنفاق على الرواتب والاستثمارات، مع توقعات البنك الدولي بعجز يصل إلى 12% من الناتج المحلي الإجمالي للعام ككل، وتضخم يتآكل القدرة الشرائية بنسبة تصل إلى 5.7%، مما أثار موجة من الاحتجاجات الاجتماعية بين الشباب الذين يعانون من بطالة تفوق 30%، كما في دعوات "GenZ 213" لمظاهرات في أكتوبر تطالب بإصلاحات اقتصادية وسياسية. يعيق هذا الانهيار تمويل الدعم الخارجي لجبهة البوليساريو، محولاً الإنفاق الخارجي إلى عبء إضافي يفاقم الأزمة الداخلية، كما حذر صندوق النقد الدولي من مخاطر مالية متزايدة تشمل عجزاً مزدوج الأرقام في 2025-2026 قد يضغط على القطاع المصرفي ويؤدي إلى تمويل غير تقليدي يهدد الاستقرار، رغم نمو إيجابي محدود بنسبة 3.4%، مما يعكس فشلاً هيكلياً في الاعتماد غير الفعال على الهيدروكربونات حيث يتوقع الخبراء اختراق حاجز 300 دينار لليورو قريباً، ويعمق التوترات الاجتماعية في ظل غياب إصلاحات جذرية.
وتتفاقم هذه الأزمات الاقتصادية مع واقع حقوقي قاتم، حيث جددت منظمة «فريدوم هاوس» تصنيف الجزائر «غير حرة» بـ31 نقطة فقط من 100 عام 2025، مشيرة إلى تراجع جديد بسبب تعديلات قانون العقوبات التي تتيح تجريم أي رأي بتهم مبهمة مثل «المساس بالوحدة الوطنية» أو «تلقي تمويل أجنبي». هيومن رايتس ووتش وأمنستي وثقتا مئات حالات التعذيب والاعتقال التعسفي، خاصة ضد ناشطي حركة «الحراك» والقبائل. قضية الشاعر محمد تاجاديت الذي حُكم عليه بخمس سنوات في يناير ثم أُعيد اعتقاله في نونبر لمحاكمة ثانية قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، وقضية الكاتب بوعلام صنصال (81 عاماً) الذي أُفرج عنه بعد ضغوط أوروبية وألمانية بسبب إصابته بسرطان البروستاتا المتقدم، لكنه انتقد النظام علناً في مقابلات فور الإفراج عنه بأنه "يخنق الحريات ويبني على القمع الممنهج"، مما أثار حملة إعلامية فرنسية وأوروبية للضغط على الجزائر. هذه الحادثة تبرز التوترات الدبلوماسية المتفاقمة مع أوروبا وتعكس هشاشة النظام أمام الضغوط الدولية، كما أكد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2024 (الذي يغطي حتى أوائل 2025) على حالات تعذيب متكررة من قبل قوات الأمن، بما في ذلك الضرب والإساءة الجنسية أثناء الاعتقالات، مع عدم تحقيق السلطات في معظم الشكاوى، مما يعزز من الإفلات من العقاب ويفاقم الأزمة الحقوقية الداخلية.
أما القنبلة الموقوتة الحقيقية، فهي إعلان حركة تقرير مصير القبائل (MAK) استقلال «جمهورية القبائل» رسمياً في 14 دجنبر 2025. بينما ترفع الجزائر شعار «تقرير المصير» كقداسة لا تُمس عندما يتعلق الأمر بالبوليساريو، فإنها تقمع الشعب القبائلي بنفس العنف الاستعماري: تصنيف MAK منظمة إرهابية منذ 2021، أحكام مؤبدة غيابية ضد فرحات مهني وقيادات الحركة، مئات الاعتقالات في 2025 وحدها. عرض سري في نوفمبر 2025 من رئاسة الأركان بعودة آمنة لمهني وترشح للرئاسة مع ضمانات دولية قوبل برفض قاطع. الإعلان الذي صوت عليه بالإجماع مؤتمر استثنائي في باريس يوم 19 أكتوبر 2025 بحضور مئات المندوبين من الشتات يُمثل تحدياً وجودياً مباشراً للوحدة الترابية الجزائرية، ويكشف النفاق الأكبر: دولة تدعم الانفصال خارج حدودها وتحاربه بالحديد والنار داخلها.
ويكمل هذا النفاق كشف ميزة جديدة في منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، أُطلقت في 22 نونبر 2025 تحت عنوان "عن هذا الحساب" والتي تكشف الموقع الجغرافي الأصلي وتاريخ الإنشاء وأنماط النشاط المشبوهة للحسابات، حملات منظمة لـ"الذباب الإلكتروني" الجزائرية تعتمد على آلاف الحسابات المزيفة المدارة من الجزائر وكندا وبعض الدول العربية، والتي تُنتج محتوى معادياً للمغرب يستهدف الدبلوماسية الرسمية والمؤسسات الوطنية، مثل نشر شائعات عن الفساد في الأقاليم الجنوبية أو تشويه مبادرة الحكم الذاتي، مع أنماط تشير إلى سلوك آلي (bots) يُدار من خلال شبكات مدعومة من جهات رسمية جزائرية، كما حدث في حملات سابقة كشفتها فيسبوك في 2019 و2021 بإزالة 188 صفحة و130 حساباً مرتبطة بالاستخبارات الجزائرية للتدخل في الخطاب العام حول الخصومات الإقليمية، مما يؤكد اعتماد النظام على الدعاية الرقمية المنخفضة التكلفة والكاذبة بدلاً من الإصلاحات الحقيقية الداخلية، ويعكس يأساً استراتيجياً عميقاً أمام التقدم المغربي في تعزيز الوحدة الترابية من خلال استثمارات تنموية هائلة في الأقاليم الجنوبية بلغت 1.5 مليار دولار في 2025 وحدها، وتوسيع الشراكات الدولية التي تجاوزت 118 دولة داعمة لمبادرة الحكم الذاتي.
تعيش الجزائر اليوم لحظة الحقيقة التي لا مفر منها: نظام عسكري ينفق مليارات شعبه على كيان وهمي في تندوف بينما ينهار الدينار في السوق السوداء، ويُسجن الكاتب لأنه قال كلمة، ويُقمع القبائلي لأنه يطالب بنفس الحق الذي ترفعه الجزائر كشعار ضد المغرب. كل يوم يمر دون مراجعة جذرية لهذا المسار المأزوم يقرب النظام خطوة إضافية من الهاوية، والأرقام لا تكذب، والشعب لم يعد يصدق، والعالم لم يعد ينتظر. أمامه خياران فقط: إما أن يغلق ملف البوليساريو نهائياً، ويعيد توجيه موارده نحو شعبه ونحو تعاون مغاربي حقيقي ينقذ الجميع، وإما أن يستمر في الرهان على نزاع خاسر فيغرق وحده في مستنقع صنعه بيده، ويترك التاريخ يسجل أن جيشاً بأكمله راهن على سراب فخسر وطناً بأكمله. الزمن لم يعد حليفاً لمن يعيش على الأوهام، والسؤال لم يعد «هل سينهار النظام؟» بل أصبح «متى، وكيف، وبأي ثمن؟».