من الصراع إلى البناء.. الرؤية الملكية السامية تعيد تشكيل هندسة الاستقرار في شمال إفريقيا

نوفمبر 1, 2025 - 14:00
 0
من الصراع إلى البناء.. الرؤية الملكية السامية تعيد تشكيل هندسة الاستقرار في شمال إفريقيا

على مدى ربع قرن من القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، شهدت قضية الصحراء المغربية تحولات دبلوماسية وسياسية جوهرية، انعكست بشكل لافت في صيغ اعترافات دولية متزايدة بسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية وتراجع ملموس في الدعم المقدم للكيان الانفصالي. هذه التحولات ليست مجرد ردود ظرفية على الأحداث، بل تعكس استراتيجية متكاملة تستند إلى رؤية ملكية سامية تجمع بين الثبات على المبدأ والمرونة في أساليب الممارسة الدبلوماسية، بما يعزز الشرعية التاريخية للمغرب ويكرس دوره كشريك موثوق في استقرار المنطقة.

ويشكل اجتماع مجلس الأمن في 31 أكتوبر 2025 محطة مفصلية في المسار السنوي لمناقشة النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية. فقد تمكن المغرب من تعزيز موقعه التفاوضي والسياسي أمام تراجع واضح في قدرة الجزائر على المناورة، حيث ازدادت الدول الكبرى، من بينها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة وبلجيكا، تأييدًا لمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي ومستدام. وقد أكد جلالة الملك محمد السادس في مناسبات متعددة، أبرزها الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، أن "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم"، ما يعكس استراتيجية واضحة: تحويل دعم المغرب للسيادة على الصحراء إلى معيار لقياس صدقية وموثوقية الشركاء الدوليين، وتأكيد أن القضية ليست مجرد نزاع إقليمي بل إطار لتقييم الالتزام الدولي.

هذه الرسالة الملكية عززت موقف المغرب على المستويين، الدبلوماسي والسياسي، إذ جعلت من قضية الصحراء معيارًا للثقة والالتزام الدولي، ما ضيق هامش المناورة أمام الأطراف المعارضة، وأظهر قدرة المملكة على إدارة النزاع بطريقة بنّاءة، متجاوزة منطق المواجهة التقليدية. 

في المقابل، تعاني الدبلوماسية الجزائرية من عزلة متزايدة بسبب تمسكها بخطاب تقليدي قائم على سرديات الحرب الباردة ومفهوم "تقرير المصير"، الذي فقد جدواه العملية. فالمقاربات الأيديولوجية الجامدة، والانخراط المباشر في دعم الأطروحة الانفصالية، وفشلها في تقديم بدائل تنموية واقعية، أدت إلى تآكل نفوذ الجزائر الإقليمي وضعف شرعيتها الدولية، فيما يعزز المغرب مكانته كشريك استراتيجي موثوق في مشاريع التنمية والأمن.

ومنذ توليه العرش سنة 1999، أسس جلالة الملك محمد السادس رؤية ملكية سامية تجمع بين الثبات في المبدأ والمرونة في الأسلوب، ما منح المغرب مصداقية دولية كبيرة. وقد أكد جلالته بمناسبة عيد العرش 2025 على أن "الدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي يعكس تقدير المنتظم الدولي للنهج المغربي الواقعي والعملي"، مؤكدًا التزام المملكة بحل توافقي يحفظ ماء وجه جميع الأطراف.

 إلى جانب ذلك، شهدت السنوات الأخيرة تراجعًا كبيرًا في الاعترافات بالكيان الانفصالي، من نحو 70 دولة في عام 2000 إلى 25 دولة حاليًا، ما يعكس فشل أطروحة الانفصال في جذب الشرعية الدولية مقابل نجاح المغرب في بناء مشروع سياسي واقعي وموثوق، قائم على السيادة الوطنية والتنمية الشاملة للأقاليم الجنوبية.

وعموما، يمكن القول أن الاهتمام الدولي تحول من جدلية الاستفتاء إلى جدلية الحل السياسي الواقعي القائم على التوافق، بما يضعف جذريًا أطروحة الانفصال ويؤكد مكانة المغرب كشريك موثوق في إطار الأمم المتحدة. وتؤكد الملامح الدبلوماسية والسياسية لمجلس الأمن نهاية أكتوبر 2025 نجاح المغرب في تحويل قضية الصحراء إلى نموذج عالمي للريادة الاستراتيجية، حيث يدمج بين الشرعية التاريخية، والفعالية الميدانية، والتنمية الاقتصادية، ما يجعله قوة استقرار محورية على الصعيدين الإقليمي والدولي. في المقابل، بقيت الجزائر محصورة في سرديات عفا عليها الزمن، انعكس ذلك في عزلة دبلوماسية مستمرة وفقدان التأثير الاستراتيجي.

وتؤكد هذه المعطيات أن الرؤية الملكية السامية لم تكن مجرد إطار نظري، بل أداة عملية لتعزيز السيادة الوطنية، وتحويل النزاع الإقليمي إلى مشروع دبلوماسي وتنموي ناجح ومستدام، يؤكد مكانة المغرب كفاعل محوري في هندسة الاستقرار في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.