اقتصاد الذاكرة .. قطاع منسي قد يتسبب في ارتفاع أسعار الهواتف الذكية
عادةً ما يكون ارتفاع أسعار الهواتف الذكية أو الحواسيب مرتبطًا بالكاميرات المتقدمة أو الشاشات الكبيرة، وأحيانًا سعة التخزين الضخمة، حيث تعتبر هي الأكثر وضوحًا للمستخدم والأكثر تأثيرًا في تجربة الاستخدام، مما يجعلها سببًا مباشرًا في ارتفاع الأسعار.
غير أن الواقع التقني أصبح أكثر تعقيدًا مما يبدو على السطح؛ فالكلفة الحقيقية لأي جهاز لا تُحدد فقط بالمكوّنات التي يراها المستهلك أو يتفاعل معها، بل ترتكز بالأساس على مكوّنات خفية لا تلفت الانتباه، لكنها تمثل عصب الجهاز وأحد أهم عناصر تكلفته.
وقد تتسبب مكونات رئيسية "روتينية" في ارتفاع أسعار الهواتف الذكية، مثل شرائح الذاكرة العشوائية (دي رام) أو شرائح الذاكرة الومضية (ناند) وهي نوع من الذاكرة التي لا تفقد بياناتها عند انقطاع الكهرباء وتُستخدم في الأجهزة المحمولة.
وبالفعل بدأت أسعار تلك الشرائح تؤثر بشكل أعمق على تكلفة الأجهزة الاستهلاكية، ليس فقط الهواتف، ولكن أيضًا الحواسيب والأجهزة اللوحية والساعات الذكية.
فعند شراء هاتف ذكي أو حاسوب محمول غالبًا ما ينتبه الناس إلى العلامة التجارية أو المعالج أو الشاشة، وليس إلى شرائح الذاكرة الصغيرة داخل الجهاز، ومع ذلك، تعتبر هذه الشرائح العمود الفقري لكل الأجهزة الإلكترونية الحديثة تقريبًا.
وفي عام 2025، استعادت شرائح الذاكرة دورها كعامل حاسم في تحديد أسعار الأجهزة بسبب ارتفاع الطلب عليها، خصوصًا من مراكز البيانات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، ما تسبب في تقلص المعروض وتحولها من مكون منخفض القيمة إلى عنصر مكلف.
تحليل دورات أسعار الذاكرة
اتسمت صناعة شرائح الذاكرة بدورات متباينة فخلال فترات فائض الإنتاج مع بناء الشركات مصانع جديدة بوتيرة أسرع من نمو الطلب لتنهار الأسعار بشكل حاد، ما يدفع الشركات لاحقًا إلى خفض الاستثمارات أو تأجيل التوسعات.
ثم تأتي مرحلة شح المعروض، فيرتفع السعر مجددًا مع أي تحسن في الطلب، قبل أن تعود الدورة إلى بدايتها.
وبعد أزمة النقص العالمي في الشرائح أثناء الجائحة، شهد عاما 2022 و2023 فترة تعاف نسبي، إذ ارتفعت المخزونات واستقرت الأسعار بالقرب من مستويات منخفضة، لكن هذا الاستقرار لم يدم طويلًا.
وشهدت نهاية 2024 وبداية 2025 تحولًا جذريًا غير مسبوق في معادلة السوق، إذ جاءت الطفرة من خارج القطاع الاستهلاكي التقليدي وهي مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.
فمع التوسع المتسارع لشركات مثل ميتا ومايكروسوفت وجوجل في بناء مراكز بيانات ضخمة لتلبية طلب نماذج الذكاء الاصطناعي، ارتفع الطلب على الذاكرة عالية السعة وسريعة الأداء بمستويات غير مسبوقة.
وأشار تقرير نشرته شبكة سي إن إن إلى أن التركيز المكثف على تلبية احتياجات الذكاء الاصطناعي جعل الشركات المصنعة مثل ميكرون وسامسونج تعيد توجيه إنتاجها بعيدًا عن الذاكرة الخاصة بالأجهزة الاستهلاكية، للتحول نحو ذاكرة الخوادم ومراكز البيانات.
وأدى ذلك إلى خلق فجوة فورية في سوق الهواتف والحواسيب مع إعطاء الشركات أولوية لخطوط إنتاج الذاكرة عالية النطاق الترددي لأنها تحقق هوامش ربح أعلى بكثير، ما أدى إلى انخفاض ملحوظ في إنتاج الذاكرة التقليدية التي تعتمد عليها أجهزة المستهلكين.
هذا الانخفاض ضرب السوق في وقت يتسارع فيه الطلب على الأجهزة الذكية، مسببًا ضغوطًا شديدة على الأسعار.
بدء ظهور آثار الأزمة
بدأت آثار هذا التحول في الظهور جليًا في 2025، إذ ارتفعت أسعار الذاكرة العشوائية دي رام التعاقدية في الربع الرابع من العام بنسبة وصلت إلى 75% على أساس سنوي وفق بيانات تريندفورس.
في المقابل تشير تقارير أخرى إلى أن الأسعار الفورية تضاعفت تقريبًا مسجلة زيادة بلغت 187% عن العام السابق.
كما شهدت شرائح الجيل الخامس من الذاكرة العشوائية (سعة 16 جيجابت) قفزة هائلة من 7.68 دولار أمريكي في سبتمبر 2025 إلى 15.50 دولار في أكتوبر، أي زيادة قدرها 102% خلال شهر واحد، في حين ارتفعت أسعار الجيل الرابع للفترة نفسها بنحو 92%.
كما تتوقع بعض التقارير أن تواصل تلك الأسعار ارتفاعها لتزيد بنحو 20% مطلع 2026، ما يعني أن موجة الارتفاعات لم تصل بعد إلى ذروتها.
ومع هذه القفزات، ارتفعت حصة الذاكرة من تكلفة تصنيع الهاتف الذكي من نطاق 10-15% خلال السنوات الماضية إلى 18–25% في 2025، مما جعل تكلفة تصنيع الهواتف وخاصة المتوسطة والمنخفضة ترتفع بشكل محسوس.
وتسبب هذا الارتفاع في قيام الشركات برفع أسعار أجهزتها أو تأجيل الإصدارات، خصوصًا أن الأجهزة الرخيصة ذات هوامش الربح الضيقة "لن يكون بالإمكان بيعها دون زيادة الأسعار".
ويُعد بناء خطوط إنتاج جديدة لشرائح الذاكرة -سواء دي رام أو ناند- عملية معقدة وباهظة التكلفة تستغرق ما بين 3 إلى 5 سنوات، وتشمل تجهيزات دقيقة ومعدات متقدمة للغاية.
ولهذا السبب لا تستطيع الشركات زيادة المعروض بسرعة، مما يعني أن السوق سيظل يعاني من شح هيكلي في الإمدادات، وأن الأسعار مرشحة للبقاء مرتفعة حتى استقرار دورة الإنتاج الجديدة.
لماذا يتأثر المستهلك أولًا؟
على الرغم من أن الذاكرة تُعد مكونًا واحدًا ضمن عشرات المكونات داخل أي جهاز ذكي، فإن ارتفاع سعرها ينعكس مباشرة وبسرعة على المستهلكين.
ويعود ذلك إلى أن الذاكرة عنصر أساسي لا يمكن الاستغناء عنه في تصنيع الهواتف والحواسيب، إذ لا يمكن تشغيل أي جهاز دون شرائح دي رام أو ناند.
وعندما ترتفع أسعار الذاكرة، ترتفع كلفة الإنتاج فورًا، ما يجبر الشركات على اتخاذ أحد تلك الخيارات الثلاثة وهي إما امتصاص الزيادة ما يعني تراجع الأرباح، أو خفض مواصفات الجهاز مثل تقليل السعة التخزينية أو ذاكرة الوصول العشوائي، أو رفع أسعار البيع.
وخلال موجة الارتفاعات الحادة في 2025، اتجهت معظم الشركات إلى الخيار الأخير، خاصة مع شدة المنافسة في السوق وتراجع قدرتها على التضحية بالهامش الربحي.
تزداد الضغوط على الشركات العاملة في الفئات المتوسطة والمنخفضة، كون هوامش الربح فيها ضعيفة بطبيعتها، وتؤدي أي زيادة كبيرة في أسعار شرائح دي رام أو ناند مباشرة إلى تآكل الأرباح.
وقد توقعت شركة تريند فورس التيوانية لأبحاث السوق أن ترتفع أسعار أجهزة الحواسيب المحمولة بنسب تتراوح بين 5 و15% في 2026، مع زيادات كبيرة في أسعار الهواتف الذكية نتيجة هذه الضغوط.
وتتفاقم الأزمة بسبب نقص المعروض، حيث تعاني الشركات المصنعة للأجهزة من صعوبة تأمين كميات كافية من الذاكرة بعد انخفاض المخزونات لدى بعض صناع الهواتف إلى ما يكفي ثلاثة أسابيع فقط من الإنتاج.
هذا النقص يؤدي إلى تباطؤ عمليات التصنيع، وتأجيل الإطلاقات المخطط لها، بل واضطرار الشركات إلى خفض عدد الوحدات المنتجة.
أرباح قياسية للمصنعين
في الوقت الذي يضطر فيه المستهلك لدفع أسعار أعلى مقابل الأجهزة الإلكترونية، تستفيد شركات تصنيع الذاكرة من موجة غير مسبوقة من الأرباح، إذ أدت الزيادات الهائلة في أسعار شرائح الذاكرة إلى رفع إيراداتها وهوامشها بشكل كبير.
ورفعت سامسونج أسعار شرائح الذاكرة بنسبة وصلت إلى 60% بين سبتمبر ونوفمبر 2025، في حين تضاعفت أسعار دي رام مقارنة بالعام السابق، وهو ما انعكس مباشرة على العائدات المحققة من كل شريحة يتم بيعها.
وزاد من هذا الزخم التحول الواسع نحو إنتاج شرائح الذاكرة عالية النطاق الترددي، التي تعد الأغلى سعرًا والأعلى ربحية، والتي ارتفع عليها الطلب من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.
ويعزز قدرة الشركات الكبيرة على الاستفادة من نقص المعروض الطابع الاحتكاري شبه الكامل للسوق حيث تهيمن عليه 3 شركات فقط هي سامسونج وإس كيه هاينكس وميكرون.
تعاني شركات تصنيع الهواتف مثل شاومي وأوبو وفيفو حاليًا من مستويات مخزون منخفضة للغاية، لا تتجاوز الشهرين، بل وتصل إلى أقل من ذلك في بعض الطرازات، ما يضع ضغوطًا إضافية على سلسلة التوريد.
كما بدأت شركات الحواسيب مثل لينوفو وديل إصدار تحذيرات صريحة بشأن ارتفاع أسعار منتجاتها نتيجة القفزات العنيفة في أسعار الذاكرة.
ورغم صغر حجم شرائح الذاكرة، إلا أن تأثيرها على أسعار التكنولوجيا كبير وغير مباشر.
ومن المتوقع أن تستمر هذه الدورة لعدة سنوات، إلى أن يتم بناء مصانع جديدة وهي عملية تستغرق وقتًا طويلًا، لتظل أسعار التكنولوجيا عالميًا، من الهواتف إلى الخوادم، ومن الحواسيب الشخصية إلى الذكاء الاصطناعي تحت وطأة هذا القطاع.
المصادر: أرقام- سي إن إن- تريندفورس- لونج بريدج- باكلاود- رويترز- ذي إيكونوميك تايمز- موروكو وورلد نيوز- إنتوشن لابس
اقتصاد الذاكرة .. قطاع منسي قد يتسبب في ارتفاع أسعار الهواتف الذكية
2025/12/11 أرقام - خاصعادةً ما يكون ارتفاع أسعار الهواتف الذكية أو الحواسيب مرتبطًا بالكاميرات المتقدمة أو الشاشات الكبيرة، وأحيانًا سعة التخزين الضخمة، حيث تعتبر هي الأكثر وضوحًا للمستخدم والأكثر تأثيرًا في تجربة الاستخدام، مما يجعلها سببًا مباشرًا في ارتفاع الأسعار.
غير أن الواقع التقني أصبح أكثر تعقيدًا مما يبدو على السطح؛ فالكلفة الحقيقية لأي جهاز لا تُحدد فقط بالمكوّنات التي يراها المستهلك أو يتفاعل معها، بل ترتكز بالأساس على مكوّنات خفية لا تلفت الانتباه، لكنها تمثل عصب الجهاز وأحد أهم عناصر تكلفته.
وقد تتسبب مكونات رئيسية "روتينية" في ارتفاع أسعار الهواتف الذكية، مثل شرائح الذاكرة العشوائية (دي رام) أو شرائح الذاكرة الومضية (ناند) وهي نوع من الذاكرة التي لا تفقد بياناتها عند انقطاع الكهرباء وتُستخدم في الأجهزة المحمولة.
وبالفعل بدأت أسعار تلك الشرائح تؤثر بشكل أعمق على تكلفة الأجهزة الاستهلاكية، ليس فقط الهواتف، ولكن أيضًا الحواسيب والأجهزة اللوحية والساعات الذكية.
فعند شراء هاتف ذكي أو حاسوب محمول غالبًا ما ينتبه الناس إلى العلامة التجارية أو المعالج أو الشاشة، وليس إلى شرائح الذاكرة الصغيرة داخل الجهاز، ومع ذلك، تعتبر هذه الشرائح العمود الفقري لكل الأجهزة الإلكترونية الحديثة تقريبًا.
وفي عام 2025، استعادت شرائح الذاكرة دورها كعامل حاسم في تحديد أسعار الأجهزة بسبب ارتفاع الطلب عليها، خصوصًا من مراكز البيانات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، ما تسبب في تقلص المعروض وتحولها من مكون منخفض القيمة إلى عنصر مكلف.
تحليل دورات أسعار الذاكرة
اتسمت صناعة شرائح الذاكرة بدورات متباينة فخلال فترات فائض الإنتاج مع بناء الشركات مصانع جديدة بوتيرة أسرع من نمو الطلب لتنهار الأسعار بشكل حاد، ما يدفع الشركات لاحقًا إلى خفض الاستثمارات أو تأجيل التوسعات.
ثم تأتي مرحلة شح المعروض، فيرتفع السعر مجددًا مع أي تحسن في الطلب، قبل أن تعود الدورة إلى بدايتها.
وبعد أزمة النقص العالمي في الشرائح أثناء الجائحة، شهد عاما 2022 و2023 فترة تعاف نسبي، إذ ارتفعت المخزونات واستقرت الأسعار بالقرب من مستويات منخفضة، لكن هذا الاستقرار لم يدم طويلًا.
وشهدت نهاية 2024 وبداية 2025 تحولًا جذريًا غير مسبوق في معادلة السوق، إذ جاءت الطفرة من خارج القطاع الاستهلاكي التقليدي وهي مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.
فمع التوسع المتسارع لشركات مثل ميتا ومايكروسوفت وجوجل في بناء مراكز بيانات ضخمة لتلبية طلب نماذج الذكاء الاصطناعي، ارتفع الطلب على الذاكرة عالية السعة وسريعة الأداء بمستويات غير مسبوقة.
وأشار تقرير نشرته شبكة سي إن إن إلى أن التركيز المكثف على تلبية احتياجات الذكاء الاصطناعي جعل الشركات المصنعة مثل ميكرون وسامسونج تعيد توجيه إنتاجها بعيدًا عن الذاكرة الخاصة بالأجهزة الاستهلاكية، للتحول نحو ذاكرة الخوادم ومراكز البيانات.
وأدى ذلك إلى خلق فجوة فورية في سوق الهواتف والحواسيب مع إعطاء الشركات أولوية لخطوط إنتاج الذاكرة عالية النطاق الترددي لأنها تحقق هوامش ربح أعلى بكثير، ما أدى إلى انخفاض ملحوظ في إنتاج الذاكرة التقليدية التي تعتمد عليها أجهزة المستهلكين.
هذا الانخفاض ضرب السوق في وقت يتسارع فيه الطلب على الأجهزة الذكية، مسببًا ضغوطًا شديدة على الأسعار.
بدء ظهور آثار الأزمة
بدأت آثار هذا التحول في الظهور جليًا في 2025، إذ ارتفعت أسعار الذاكرة العشوائية دي رام التعاقدية في الربع الرابع من العام بنسبة وصلت إلى 75% على أساس سنوي وفق بيانات تريندفورس.
في المقابل تشير تقارير أخرى إلى أن الأسعار الفورية تضاعفت تقريبًا مسجلة زيادة بلغت 187% عن العام السابق.
كما شهدت شرائح الجيل الخامس من الذاكرة العشوائية (سعة 16 جيجابت) قفزة هائلة من 7.68 دولار أمريكي في سبتمبر 2025 إلى 15.50 دولار في أكتوبر، أي زيادة قدرها 102% خلال شهر واحد، في حين ارتفعت أسعار الجيل الرابع للفترة نفسها بنحو 92%.
كما تتوقع بعض التقارير أن تواصل تلك الأسعار ارتفاعها لتزيد بنحو 20% مطلع 2026، ما يعني أن موجة الارتفاعات لم تصل بعد إلى ذروتها.
ومع هذه القفزات، ارتفعت حصة الذاكرة من تكلفة تصنيع الهاتف الذكي من نطاق 10-15% خلال السنوات الماضية إلى 18–25% في 2025، مما جعل تكلفة تصنيع الهواتف وخاصة المتوسطة والمنخفضة ترتفع بشكل محسوس.
وتسبب هذا الارتفاع في قيام الشركات برفع أسعار أجهزتها أو تأجيل الإصدارات، خصوصًا أن الأجهزة الرخيصة ذات هوامش الربح الضيقة "لن يكون بالإمكان بيعها دون زيادة الأسعار".
ويُعد بناء خطوط إنتاج جديدة لشرائح الذاكرة -سواء دي رام أو ناند- عملية معقدة وباهظة التكلفة تستغرق ما بين 3 إلى 5 سنوات، وتشمل تجهيزات دقيقة ومعدات متقدمة للغاية.
ولهذا السبب لا تستطيع الشركات زيادة المعروض بسرعة، مما يعني أن السوق سيظل يعاني من شح هيكلي في الإمدادات، وأن الأسعار مرشحة للبقاء مرتفعة حتى استقرار دورة الإنتاج الجديدة.
لماذا يتأثر المستهلك أولًا؟
على الرغم من أن الذاكرة تُعد مكونًا واحدًا ضمن عشرات المكونات داخل أي جهاز ذكي، فإن ارتفاع سعرها ينعكس مباشرة وبسرعة على المستهلكين.
ويعود ذلك إلى أن الذاكرة عنصر أساسي لا يمكن الاستغناء عنه في تصنيع الهواتف والحواسيب، إذ لا يمكن تشغيل أي جهاز دون شرائح دي رام أو ناند.
وعندما ترتفع أسعار الذاكرة، ترتفع كلفة الإنتاج فورًا، ما يجبر الشركات على اتخاذ أحد تلك الخيارات الثلاثة وهي إما امتصاص الزيادة ما يعني تراجع الأرباح، أو خفض مواصفات الجهاز مثل تقليل السعة التخزينية أو ذاكرة الوصول العشوائي، أو رفع أسعار البيع.
وخلال موجة الارتفاعات الحادة في 2025، اتجهت معظم الشركات إلى الخيار الأخير، خاصة مع شدة المنافسة في السوق وتراجع قدرتها على التضحية بالهامش الربحي.
تزداد الضغوط على الشركات العاملة في الفئات المتوسطة والمنخفضة، كون هوامش الربح فيها ضعيفة بطبيعتها، وتؤدي أي زيادة كبيرة في أسعار شرائح دي رام أو ناند مباشرة إلى تآكل الأرباح.
وقد توقعت شركة تريند فورس التيوانية لأبحاث السوق أن ترتفع أسعار أجهزة الحواسيب المحمولة بنسب تتراوح بين 5 و15% في 2026، مع زيادات كبيرة في أسعار الهواتف الذكية نتيجة هذه الضغوط.
وتتفاقم الأزمة بسبب نقص المعروض، حيث تعاني الشركات المصنعة للأجهزة من صعوبة تأمين كميات كافية من الذاكرة بعد انخفاض المخزونات لدى بعض صناع الهواتف إلى ما يكفي ثلاثة أسابيع فقط من الإنتاج.
هذا النقص يؤدي إلى تباطؤ عمليات التصنيع، وتأجيل الإطلاقات المخطط لها، بل واضطرار الشركات إلى خفض عدد الوحدات المنتجة.
أرباح قياسية للمصنعين
في الوقت الذي يضطر فيه المستهلك لدفع أسعار أعلى مقابل الأجهزة الإلكترونية، تستفيد شركات تصنيع الذاكرة من موجة غير مسبوقة من الأرباح، إذ أدت الزيادات الهائلة في أسعار شرائح الذاكرة إلى رفع إيراداتها وهوامشها بشكل كبير.
ورفعت سامسونج أسعار شرائح الذاكرة بنسبة وصلت إلى 60% بين سبتمبر ونوفمبر 2025، في حين تضاعفت أسعار دي رام مقارنة بالعام السابق، وهو ما انعكس مباشرة على العائدات المحققة من كل شريحة يتم بيعها.
وزاد من هذا الزخم التحول الواسع نحو إنتاج شرائح الذاكرة عالية النطاق الترددي، التي تعد الأغلى سعرًا والأعلى ربحية، والتي ارتفع عليها الطلب من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.
ويعزز قدرة الشركات الكبيرة على الاستفادة من نقص المعروض الطابع الاحتكاري شبه الكامل للسوق حيث تهيمن عليه 3 شركات فقط هي سامسونج وإس كيه هاينكس وميكرون.
تعاني شركات تصنيع الهواتف مثل شاومي وأوبو وفيفو حاليًا من مستويات مخزون منخفضة للغاية، لا تتجاوز الشهرين، بل وتصل إلى أقل من ذلك في بعض الطرازات، ما يضع ضغوطًا إضافية على سلسلة التوريد.
كما بدأت شركات الحواسيب مثل لينوفو وديل إصدار تحذيرات صريحة بشأن ارتفاع أسعار منتجاتها نتيجة القفزات العنيفة في أسعار الذاكرة.
ورغم صغر حجم شرائح الذاكرة، إلا أن تأثيرها على أسعار التكنولوجيا كبير وغير مباشر.
ومن المتوقع أن تستمر هذه الدورة لعدة سنوات، إلى أن يتم بناء مصانع جديدة وهي عملية تستغرق وقتًا طويلًا، لتظل أسعار التكنولوجيا عالميًا، من الهواتف إلى الخوادم، ومن الحواسيب الشخصية إلى الذكاء الاصطناعي تحت وطأة هذا القطاع.
المصادر: أرقام- سي إن إن- تريندفورس- لونج بريدج- باكلاود- رويترز- ذي إيكونوميك تايمز- موروكو وورلد نيوز- إنتوشن لابس
