اكتشاف مذهل: أقدم دليل على إشعال النار يعود إلى 415 ألف سنة في بريطانيا
عثر علماء آثار في مقاطعة سوفوك البريطانية على ما يُعتقد أنه أقدم دليل معروف حتى الآن على إشعال النار عمداً من قبل إنسان ما قبل التاريخ، وذلك في موقع يعود تاريخه إلى نحو 415 ألف عام، أي قبل وقت طويل من التقديرات السابقة. ويُرجح أن هذا الاكتشاف، الذي تم نشره في دورية نيتشر العلمية، يعود إلى إنسان نياندرتال، ويشكل نقطة تحول جديدة في فهم قدراتهم المعرفية وتاريخ استخدام النار.
في موقع طيني قديم لصناعة الطوب قرب قرية بارنهام، عثر الباحثون على بقايا طين متفحم وفؤوس حجرية تعرضت للحرارة، بالإضافة إلى قطعتين من البيريت الحديدي، وهو معدن يُستخدم لإحداث شرارات عند ضربه بالصوان. ويشير وجود هذه الأدوات إلى أن إشعال النار كان يتم بشكل مقصود ومتكرر، مما يدل على إدراك مبكر لأهمية التحكم في النار. وصرّح عالم الآثار نيك أشتون، قائد فريق البحث من المتحف البريطاني، أن "جلب البيريت إلى الموقع يثبت أن البشر حينها تعمّدوا إشعال النار، وهو ما يُرجع تاريخ هذا السلوك إلى ما قبل المعروف بكثير".
وتكمن أهمية الاكتشاف في أنه يعود إلى ما قبل ظهور الإنسان العاقل (هومو سابينز) في إفريقيا، ويُرجّح أن من أشعلوا النار في هذا الموقد هم من أوائل إنسان نياندرتال، وفقاً لتقاطع الأدلة مع أحافير جماجم بشرية عُثر عليها سابقاً في مواقع قريبة وتعود لنفس الفترة الزمنية. ويرى الباحث كريس سترينجر أن التشابه بين هذه الأدلة وتلك الموجودة في موقع "سيما دي لوس هويسوس" بإسبانيا، التي تعود إلى 430 ألف سنة، يُعزز هذا الترجيح.
ويوضح الخبراء أن استخدام النار لم يكن مجرد مصدر للدفء والطهي، بل كان عاملاً أساسياً مكّن البشر من العيش في البيئات الباردة مثل بريطانيا، ومن القضاء على السموم في الغذاء، وتحسين الهضم، وهو ما وفّر للجسم طاقة إضافية ساعدت في تطور الدماغ البشري. ويعد هذا التحول في النظام الغذائي والتقني خطوة محورية في المسار التطوري للإنسان.
كما يرى العلماء أن هذا الاكتشاف يضيف دليلاً جديداً على ذكاء وبراعة إنسان نياندرتال، الذي كثيراً ما صُوّر بشكل سلبي في الثقافة الشعبية. ورغم انقراضهم قبل نحو 39 ألف سنة، فإن إرثهم الجيني لا يزال حاضراً في الحمض النووي لغالبية سكان الأرض، نتيجة التزاوج مع الإنسان العاقل بعد انتشاره في أوروبا.
